Thursday, September 18, 2014

الكهوف السحرية (الجامعة شباك الوطن الجريح)

كانت الجامعة خلية نحل لاتهدأ أبداً، الأحداث فيها متواترة متلاحقة لافواصل بينها ، ومن الحبة دوما تأتى القبة،وأتذكر جيدا أن دخولنا الجامعة تزامن مع اقرار نظام النميري لقوانين سبتمبر1983 التى أصدرها النميري معلنا زورا تطبيق الشريعة الاسلامية ونصب نفسه إماما وقد وجدت تلك القوانين معارضة واسعة ، وكان أبرز المعارضين لها الاستاذ محمود محمد طه زعيم الجمهوريين الذى أصدر منشورا سماها فيه باسم قوانين سبتمبر وقال فيه قولته المشهورة التى رددها في محاكمته التى انتهت باعدامه بتهمة الردة ("أنا أعلنت رأيي مرارا، في قوانين سبتمبر 1983، من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام. أكثر من ذلك، فإنها شوهت الشريعة، وشوهت الإسلام، ونفّرت عنه. يضاف إلي ذلك أنها وضعت، واستغلت، لإرهاب الشعب، وسوقه إلي الاستكانة، عن طريق إذلاله. ثم إنها هددت وحدة البلاد. هذا من حيث التنظير. وأما من حيث التطبيق، فإنّ القضاة الذين يتولّون المحاكمة تحتها، غير مؤهلين فنيا، وضعفوا أخلاقيا، عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية، تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب، وتشويه الإسلام، وإهانة الفكر والمفكرين، وإذلال المعارضين السياسيين. ومن أجل ذلك، فإني غير مستعد للتعاون، مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر، والتنكيل بالمعارضين السياسيين".)، كانت المحاكمة نفسها والإعدام حدثا مفصليا في الحياة السياسية في السودان، وكان يوما عاصفا في الجامعة سالت فيه الدموع وتجمعت فيه سحب الغضب وخرجت جامعة القاهرة الفرع في مظاهرة حاشدة بددت حالة الوجوم والدهشة والخوف وعدم التصديق التى خلفها الإعدام. وتجاوبت بقية الجامعات وكسرت طوق العزلة واستمرت المظاهرات الحاشدة في الخرطوم تتنقل من جامعة الى جامعة، واتذكر جيدا ان جامعة الخرطوم باتت مركزا لنشاط المعارضة التى خرجت للعلن في ندوة حاشدة بجامعة الخرطوم ميدان كلية الهندسة عشية اعدام محمود محمد طه وهى ندوة اختلطت فيها الكلمات بالدموع ونعى المتحدثون فيها السماحة التى ميزت الشعب السودانى وجددوا فيها معارضتهم لنظام النميري واعلنوا ميلاد التجمع الوطنى الديمقراطى.و في تلك الليلة نفسها تجدد تحالف عريض في الجامعات السودانية هدفه اسقاط نظام النميري ومؤيديه في الجامعات الذين جعلوا مناصرته تساوى مناصرة الشريعة الاسلامية. وقد كان عام 1984 عاما عامرا بالنضال الطلابي والشعبي ضد نظام مايو،ومن ذكريات ذلك العام مظاهرات واسعة شهدتها العاصمة وكانت الجامعات وطلابها هم وقودها وكانت الصحف الحائطية بالجامعات والندوات والأركان هى شرارتها، وبلغ الأمر حد ان قوات الاحتياطى المركزى حاصرت جامعة القاهرة الفرع يوما، وأغلقت أبواب المدرجات على الطلبة وألقت قنابل الغاز المسيل للدموع بداخلها، وأصطف الجنود بالهراوات أمام أبواب مدرج ثالثة حقوق حتى باب دار الاتحاد لينهالوا ضربا على الخارجين من المدرج ثم يقذفوا بهم داخل العربة الواقفة امام دار الاتحاد ليأخذوهم الى قسم شرطة غرب ( رئاسة شرطة الخرطوم الحالية) ومن ثم يقدموهم للمحاكمة بتهمة التظاهر والتخريب والدم ينزف منهم، قيض الله لبعض الطلاب قاضيا نزيها اسمه طارق برأ ساحتهم وأمر بمنحهم ارانيك جنائية للكشف عن حالة الأذى وفتح بلاغات ضد الشرطة، بينما كان نصيب بعضنا وكنت منهم ان نمثل أمام قاض آخر من طينة أخرى حكم علينا بالجلد عشرين جلدة وهو يسخر ممن دعاهم بالمناضلين سخرية، وقفنا في مجمع الخرطوم شمال نتلقي ضربات السياط بثبات زادته زغاريد انطلقت من أفواه موظفات في المبنى المجاور للمحكمة، كانت تلك طريقتهن للتضامن معنا. اتذكرهن بثياب بيضاء وهن كالملائكة ينظرن الينا من الطابق الثانى للمبنى ويزغردن( المبنى الآن صار مبنى مجلس الوزراء). بعد المحاكمة الجائرة لم يطلق سراحنا بل نقلنا الى فناء قسم شرطة الخرطوم غرب حتى يأتى رجال الأمن ليتخيروا من بيننا من يريدون اعتقاله من الناشطين.لكننى استطعت بطريقة ما ان اغادر القسم ومنه غادرت الخرطوم الى مدنى حيث كان للحكاية حكاية أخرى.

No comments:

Post a Comment

شكرا علي المشاركة والتواصل