Thursday, September 18, 2014

الكهوف السحرية( حين تقود الكلمة الى السجن) سيرة

حين وصلت مدنى كنت في البدء خائفا مترقبا، ولكن أجواء الكمبو ( حى 114) الحميمة احتوتنى وأنستنى ما كنت فيه من أجواء متوترة، كانت ضحكات رفاق الطفولة تطاول أعنان السماء، وكان الدافورى جوار بيت ناس ناجى حسن محمد صالح حارس الأهلى ورفيقي في حراسة مرمى فريق المجد مولع نار، كان الدافورى تقليدا مرحا لأولاد الكمبو لم يتخلوا عنه قط حتى بعد ان صار بعضهم نجوما يشار إليهم بالبنان في فرق مدنى الكبيرة مثل محجوب فضل الشهير بفجوك حارس الموردة والمرحوم صلاح الشاذلى حارس الأهلى مدنى في عصر ذهبى وعبد العظيم الشهير بكزيمو مدافع الاتحاد الصلد وتمبكة وحربة وبدر اسرائيلي نجوم مريخ مدنى وبهاء الدين حسن نجم التضامن، جميعهم كانوا يواظبون على الدافورى الذي كان يلعب في ميدان صغير والمرمى فيه صغير جدا عرضه شبحة قدم واحدة والعارضة صغيرة لاتعلو من الأرض أكثر من نصف المتر، ولكن الحضور حاشد والتحدى ساخن والمدافرة من القوة بمكان والمرح حاضر وكذلك الخرخرة، كان ابطال الدافورى دوما أكثر الناس حماقة وخرخرة وأبرزهم الأخ معتصم حبشي، اما أكثرهم هزلا بلا منازع فهو معتصم حسن صالح الشهير بالوحش وشقيقيه ناجى الشهير بتشتتش وعماد الشهير بعماد لنقز، كان الدافورى بمثابة حفل ترويحى للصغار والكبار الذين يكتفوا بالمشاهدة الممتعة، وقد بلغت شهرة الدافورى حد انه استوعب ضيوفا من أصدقاء الكمبو من الأحياء الأخرى أبرزهم عليوة لاعب الأهلى وآخرين سقطوا من الذاكرة. من الدافورى كنا ننتقل الى النادى الذي يعج بالحياة، صحيفة حائطية، مباريات تنس طاولة، تربيزةضمنة ساخنة فيها تحديات لاتنتهى بين مجموعات متباينة، أبرز اللاعبين الريح أبو الريح وشقيقه يوسف الله جابو وصلاح التلب عليه الرحمة وصلاح حسن سعيد ومعتصم الساحر وحربة وقبلة وحسن علوب . وهناك تربيزة الكوتشينة الكونكان والويست التى يعلو ضججها كلما ألقي أحدهم كرت الفتوح. وكان هناك فاصل يقودنا الى محل عثمان علفكو بائع الفول المصرى الشهير في الكمبو، ننفق وقتا في اعداد الفتة في صحن كبير، ثم نهرول نحو الدور الثانى في سينما أمير القريبة أو السينما الخواجة أو الوطنية،وكانت السينما الهندية لاتزال هى المفضلة والأثيرة مع بعض المرات التى نشاهد فيها فيلما أجنبيا من النوع الذي يسمى( استورى) في سينما الخواجة أو نشاهد فيلما عربيا كوميديا من شاكلة عماشة في الأدغال. المهم اننى اندمجت في تلك الأجواء المحببة الى النفس ونسيت ماكان بالخرطوم أو كدت ، حين جاءنى أخى الأكبر أحمد لاهثا وأنا بالنادى ليخبرنى باننى ملاحق من قبل سلطات أمن النميري وأنهم سألوا عنى بالبيت ويجب أن أغادر النادى على جناح السرعة، وقد كان، غادرت النادى ولم أعد الي البيت ليلتها ، بل ذهبت مع أحد ابناء الحى السابقين الذين انتقلوا الى حى مايو وبت ليلتى في منزل آخر يخص أسرة صديقة كانت من سكان حينا القديم الكمبو .لكن القصة لم تنته عند هذا الحد، قبض أفراد الأمن على أبي الشيخ ووجد نفسه لأول مرة في حياته في مواجهة مع السلطة والقانون وهو الرجل الذى لم يقف يوما بباب سلطة شاكيا ولامشكيا ولا حتى شاهدا، فقد كان رجلا مسالما كرس حياته كلها لأجل أسرته الصغيرة وعمله. ذهب أخى أحمدليطمئن على أبيه فقبضوا عليه وأفرجوا عن الأب متفادين حرجا أكبر بحرج أصغر متخذين من أبي ثم أخى رهائن الى حين تسليمي نفسي، وقد كان، سلمت نفسي ، أفرجوا عن أخى ، وولجت سجن مدنى الكبير مع كبار القادة السياسين وقتها( مجدى سليم المحامى/ جكنون المحامى/ عبد الله باشا المحامى/ المرحوم الدكتورمدنى أحمد عيسي/ مجموعة من نقابي مصانع النسيج اتذكر منهم داؤود وعثمان عبد القادر والحسن) وبالسجن نفسه كانت هناك مجموعة كبيرة من قيادات الحركة الإسلامية بمدنى اتذكر منهم الدمياطى فقط. كنت أصغر معتقل سياسي وسطهم والطالب الجامعى الوحيد وكنت وقتهافي السنة الثانية حقوق. وكان من حسن حظى ان اعتقالي كان في الأسبوع الأخير لنظام مايو، فصبيحة السادس من ابريل ونحن في السجن عزفت الموسيقي العسكرية وقطعت الاذاعة بثها وأعلن سوار الذهب استيلاء الجيش على السلطة ونجاح انتفاضة الشعب في السادس من ابريل 1985. وخرجنا من السجن محمولين على الأكتاف وبت نجما من نجوم الكمبو في تلك الأيام.

No comments:

Post a Comment

شكرا علي المشاركة والتواصل