Thursday, September 18, 2014

الكهوف السحرية( قصيدة عشر لوحات للمدينة وهى تخرج من النهر) سيرة

كما وعدتكم بنشر قصيدة الشاعر محمد محي الدين ( عشر لوحات للمدينة وهى تخرج من النهر) التى كتبت في ذات اسبوع اسشهاد الشهيد طه يوسف عبيد شهيد انتفاضة يناير 1982 في يوم الأحد الموافق العاشر من يناير 1982 حوالى الساعة العاشرة صباحا بمدينة ودمدنى قبالة الادارة المركزىة للكهرباء برصاص جندى يتبع للقوات المسلحة اطلق النار على مظاهرة سلمية قوامها الطلاب والمحامون والأطباء وباقي فئات المجتمع ضد نظام مايو.

قصيدة الشاعر الكبير محمد محى الدين ابن مدنى الخضراء ( عشر لوحات للمدينة وهى تخرج من النهر) قصيدة خالدة وملحمىة بكل ماتعنى الكلمة من معنى فقد وثقت القصيدة ليوم خالد في اريخ مدينة ودمدنى والسودان وهو العاشر من يناير 1982 يوم الهبة الثورية لأهل ودمدنى في وجه نظام النميري المستبد فيما عرف بمظاهرات السكر التى هزت نظام مايو وكانت سببا رئيسيا من اسباب ثورة الشعب المجيدة في ابريل 1985، تصور القصيدة غضب مدينة ودمدنى وخروجها على بكرة ابيها في صبيحة العاشر من يناير 1982 في مسيرة عملاقة كانت تتويجا لعدة مظاهرات سبقتها خلال شهر ديسمبر 1981 ، في العاشر من يناير تجمع الأطباء والمعلمون والمحامون والعمال والطلاب جوار السينما الوطنية وخرجوا في موكب مهيب عبر شارع الجمهورية صوب تجمعات العمال الكبيرة في الادارة المركزية للكهرباء والمياه والمؤسسة الفرعية للخفريات، وفي المنطقة الواقعة بين الادارة المركزية للكهرباء وكلىة المعلمات واجهت السلطة المتظاهرين العزل بالرصاص الحى وسقط طه يوسف عبيد الطالب وقتها بمدرسة السنى الثانوية شهيدا مضرجا بدمه الطاهر الذى رشح في ملابسنا نحن رفاقه، وعند التشييع تعرض موكب التشييع لأطلاق النار عليه مجددا واصيب الشهيد مجددا، يصور الشاعر المبدع الحدث صويرا يقارب الحقيقة كثيرا وتحتشد فيه صور الشهداء والشعراء وكبار رجال الطرق الصوفية في مدنى وحتى سميرة أحدى مجانين المدينة كانت حاضرة فتبدو المدينة بحاضرها ةماضيها وشعراءها وشهدائها وشهداء السودان كلهم سائرون في المظاهرة التى توج فيها طه شهيدا، هى قصيدة رائعة وكان صاحبها شجاعا وهو يقرأها في تلك الايام ببسالة مماثلة لبسالة الشهيد. ادعوكم جميعا للقراءة والاستماع. ويمكنكم مراجعة شهادتى عن اسشهاد طه فقد كنت شاهد عيان لكل ماجرى وكتبته هنا في هذا البوست وفي مواقع أخرى.

عشر لوحات للمدينة وهى تخرج من النهر
إلى روح الشهيد طه يوسف عبيد
الشاعر / محمد محي الدين
قصيدة انتفاضة العاشر من يناير 1982 ( ودمدنى)
تأبين الشهيد (طه يوسف عبيد) شهيد انتفاضة يناير
1
لوحة صباحية
شجر البان استعاد الريح
وارتاح على رقصته النسوة
يغسلن الجلابيب الثياب الخضر
اركان البيوت انتفضت
بالأرجل الراكضة الطير انتشي
صفقت الزونيا
وضجت ساحة الجميز بالطير الصباحى
الحمامات تبرجن ورجرن على الابراج ريشاً أبيضاً
والنهر اخفى لونه العادى
اجيال من الاسماك ترمى ظلها المائي
تخضر وتحمر
على الشاطئ عمال المجارى
بائعات الكسرة الشماسة النسوة
ارباب المعاشات
في انتظار السفر الباصات ملت جسد الاسفلت
القت راكبيها
وتخلت عن مواعيد لعشاق يعيشون الجوى فيها
كراسي الخشب المكسورة الأيدى زماناً في مقاهى السوق
تشتاق لرواد يضيئون الزوايا
والدراويش استفادوا من نشيج الرعشة الأولى
على ايقاع بوب مارلي
استفادوا
لحظة اخرى من الظل الذى جاور جدران المراحيض العمومىة
والنسوة يدخلن تباعا والضريح انفتحت منه الشبابيك يلملمن الزورات
وارداف التجار المرحليون على باب المديرية تهتز
وآلاف من الطير الصباحى على بوابة النيل تحى حمد النيل
ورايات الضياء الخضر شوشن اذاعات جنود الشعب
في الحامية الباسلة
الطير انتشي
شجر البان استعاد القبعات الموسميات
استراحت غابة النيم على وقع خطى الجند
رجال الامن يوفون نذور الحب للتجار والسادة والقادة
والأطفال يوفون نذور الحب للأرض
البيوت انتفضت بالأرجل الراكضة
الاردية الخضراء والزرقاء والكتب الحكايات المجلات الطباشير المناديل الزهور النور
والنسوة نشرن الجلاليب على الجدران
جهزن الملاءات
الحنوط
الكسرة الصامتة /الصامدة
الشايا
وعبَّأن الأناشيد
المواعيد
وأقلام الرصاص
الجرس الاول دقّ
الجرس الثاني دقّ
(الجرس الثالث ..
دقت الاجراس دقّ
جرس جرس
النحاسى
الاساسي
الخلاسي
الخلاصي
الرصاصي
الرصاص


2

لوحة بالطباشير والحبر
الشبابيك مناديل يلوحن
مناديل بلون العشب والحب
الدروب انتظمت وردا جديدا
لبست لونا بلون الجرأة
اختارت صباحا يلبس الاردية الزرقاء والصبية
اطياف المراجيح ندى الخبز المحابر
والمناديل مزامير يزغردن
عصافير بصوت فجعته صعقة الرعب
العصافير تراجعن واعلن الهتاف المر
نشرن المناديل على الابواب
ثبتن المزامير على قلب الحناجر
والمزامير عصافير اذابت بحة الجوع وآهات الشبابيك قليلا
واضاءت لغة الأسفلت بالأحمر
والأحمر لايكذب يأتى
في سراويل من الدم سيأتى
راجلا يسبق الاف الخناجر
والعصافير طباشير رسمن العالم الرائع مرات على الاسفلت
بالحبر الصباحى تبادلن المناقير
رسمن العالم الثالث والخامس والسابع في صمت وأغلقن الدفاتر.
3
لوحة لم تكتمل بريشة طه يوسف عبيد
لم تتم
كان (عبد الحفيظ )يصافح اطفال ود ازرق الرائعين
ويشرح اسراره
كيف اعلن سر الرصاصة حل وثاق البنادق
وضح لغز العلاقة بين الدم المتفجر والموت والكسرة العائلية والقبلة الدافئة
لم تتم
شرد اللون والريشة انتفضت
رابطت في الشوارع
و(القرشي) يدخل الآن مدرسة النهر
ينشر كراسة تتوزع فيها المناخات
تلمس ريشته مدن الجوع والبلد المستباحة
تلمس كل القرى السكن الموت فيها
القرى الحل فيها العذاب وشردت الريح اطفالها
الصبية انتشروا يكتبون النشيد وكراسة الوطن المتوهج
والقرشي يصافح عبد الحفيظ ويرتحلان على فرس من دم
أبيض
أخضر
أحمر
4
لوحة رسمية
لا إله سوى البندقية
والحاكمية للشرطة العسكرية
والأمر للأمن والنهى للجند
ان الطمأنينة اليوم سائدة أيها الناس
فاعتدلوا وقفوا للصلاة الأخيرة
إنا نشاوركم بدخان القنابل
ثم نخبركم بحديث الزلازل
ثم نبشركم بدم في المنازل
ثم نفاجئكم بالرصاص
.
5
لوحة شعبية
يا يا با يا السنى
السنى يا السنى
يا البلبل الفنى
يا المهدى اضمنى
هدر الحديد الحديد
والزند فوق الزناد
يايابا يا السنى
ثوب الحداد الجديد
ثوب البلاد البلاد
يا يابايا السنى
رجفت يد الجلاد حين استمر النشيد
يا يابا يا السني
ويستمر النشيد
ويستمر الشهيد



6
لوحة سيريالية
خرجت الاسماك الذهبية أولا من النهر
واطلت النجوم التى كانت تختفى في الماء دائما
ونفض النهر قميصه العادى
وارتدى قميصا احمرا
وعمامة بيضاء
ترك شارع البلدية واخترق السوق
انتبه عمال المجارى والمادح وبائعة الليمون
ومن قبة (ودمدنى السنى) خرج الدراويش والكهول
والبنات اسدلن ضفائرهن على الاسفلت
رواد المقاهى تركوا احذيتهم تحت الكراسي المكسورة الأيدى
(حمد النيل )كان في المقدمة يحمل رايته الخضراء
(العليش) ترك فروته االرمادية امام (الكونتيننتال)
وفاطمة القروية كانت تهرول بين (السوق الجديد )و(كلية المعلمات)
كان الاسفلت يبدو جديدا وأنيقا
وقف النهر لحظة ليستعيد انفاسه
صعد الشيخ (عبد السيد) و(تاج الدين)
كان (الناطق )يفتح شبابيك النهر
ويحمل (نوبة) من جلد الدمور
وجريدة لم يحن وقت قراءتها بعد
انفرد (عوض الجيد) بالغناء
وانفردت (سميرة )بالرقص
واطلقت فاطمة المدنية عشرين زغرودة
انفجر (تاج الدين) بالضحك المتواصل
صفقت الامواج وطار الزبد الابيض
انتتبه (حمد النيل) اولا ورفع رايته الخضراء
تغير لونها قليلا
انتبه الرجال تحت الراية
اصلح (على عبد اللطيف) عمامته وشمر عن ساعديه
وتحسس (معاوية عبد الحى) خاتم الخطوبة حول اصبعه وابتسم
كانت فاطمة في هذه الدقيقة بالذات
تقف بين النهر الراجل والورشة
ورأت كل شئ:
رجال الحامية ،والعلم الامريكى
كبار تجار المدينة،
وموظفات البنك الدولى، ورجال الامن ،
والرشاشات محشوة بالحبر والسكر والرغيف،
اطلقت زغرودة اخرى
كان النهر يعلو
وطه يوسف عبيد محمولا علي مياه النهر الرائعة
يرتدى قميصا من السودان
وهلالا على جبهته من البرق الذى سوف يأتى
كان (لوركا) يجاذبه اطراف الحديث
و(خليل فرح )يترنم بالمقطع الأخير من عزة
و(غسان كنفانى) يتحدث عن اللون الأساسي في لوحة طه الأخيرة
انهمر الرصاص فجأة
وسقط طه يوسف عبيد أولا
سقط للمرة الثانية
تمزقت الصور الملونة
وخرجت المدينة من النهر عارية
تجفف ثقوب الرصاص على حبل الشمس الغاربة.

7
الوان
(ا)
اسودا كان لون النهار
وكانت خيوط الأشعة سوداء مصبوغة بالدخان
خطوط الجرائد سوداء
صوت المذيع يندد بالشغب الموسمى
ويعلن للشعب باسم قوى الشعب ان الاشارة خضراء ان الطمانينة سائدة
لا إله سوى القبعات.
ب
اخضرا كان لون الشجر
ج
ازرقا كان لون النهر
10
لوحة حمراء تماما
اخضرا كان لون الحقول
ولون الغصون واشجارها والعصافير
كانت مياه الجداول زرقاء
والنهر غير أزيائه
الحقل غير ازيائه
والمدارس والمصنع الدور

والأحمر الآن
إن الشوارع غارقة في الدم الأحمر
والأحمر لايكذب يأتى
في سراويل من الدم يأتى
راجلا يسبق ألاف الخناجر

ودمدنى يناير 1982.

يمكنكم سماع القصيدة بصوت الشاعر كما سجلت في عام 1982 هنا
http://www.4shared.com/mp3/P0uLjHJh/_____.html

No comments:

Post a Comment

شكرا علي المشاركة والتواصل