Thursday, September 18, 2014

الكهوف السحرية _ حكايات الجامعة

الجامعة
ولجت الجامعة في منتصف عام 1983، وكان استشهاد صديقي طه يوسف عبيد ودمه الذى سال على الأسفلت في مدنى قبالة الادارة المركزية للكهرباء لايزال هو الحدث المؤثر على حياتى وشخصيتى فقد نقلنى مرآى الدم وموت صديقي من حياة ساكنة تسيطر عليها كرة القدم لعبا ومشاهدةومشاجرات أولاد الفريق ومشاهدة الأفلام الهندية الى عالم جديد مختلف باتت السياسة فيه هى مركز الاهتمام وبات الانخراط في النشاط السياسي السرى المحظور وقتها ضد نظام النميرى هو الجديد فيها، تركت الغاز المغامرين الخمسة والمكتبة الخضراء وقصص أرسين لوبين اللص الظريف وقصص اجاثا كريستى وابطالها هيركل بوارو ومسس ماربل كاشفة الأسرار، تركت هذا العالم كله وهاجرت صوب عالم جديد كانت خطواتى قد بدأت الهجرة اليه ببطء مع طه والأصدقاء المشتركين وكانت ملامح تلك الهجرة قد بدأت بقراءة اشعار شعراء المقاومة الفلسطينية الثلاثة الكبار( سميح القاسم ودرويش وتوفيق زياد) ومن ثم بدأت بارتياد رابطة الجزيرة للآداب والفنون والليالي الشعرية، ولكن هذا الانتقال أخذ شكل التحول العاصف الكبير بعد استشهاد طه، تحولت الهواية والفضول الى التزام شخصي بالسير على خطى الشهيد والى التزام شخصي بالثأر له من نظام نحره نحراً بلا جريرة جناها سوى الهتاف البرئ، اندفعت بتهور شديد وحماس هو طابع تلك السن وتلك الفترة فقد كنت بالكاد قد بلغت التاسعة عشرة من عمرى عندما واجهت الموت مع صديقي وبت شاهدا لم تستدعه أي محكمة حتى اليوم لتسمع شهادته،اتذكر الآن اننا قمنا بتكوين اتحاد طلاب سرى في مدرسة السنى مهمته تنظيم التظاهرات بالمدينة ونسقنا مع زملاء لنا في المدارس الأخرى بغية تكوين اتحاد على مستوى المدينة، وبتنا نصدر صحيفة بالمدرسة تعبر عن افكارنا وتندد بالنظام وتنشر الأشعار الثورية، كنا في البدء مجرد مجموعة أصدقاء حركهم حدث عام أوجع قلوبهم الصغيرة، ثم أكتشفت فيما بعد أن بعض أصدقائي أولئك منظمون في تنظيم طلابي يسمى الجبهة الديمقراطية فلم أتردد في ولوجه مطلقا فقد كان وتر القوس مشدودا وكان لابد للسهم ان ينطلق كما قال مصطفي سعيد بطل رواية موسم الهجرة للطيب صالح. هكذا ولجت الجامعة برلوما منظما ومنحازا لفريق من الفرق المتنافسة وهو أمر حرمنى من التمتع بالدهشة التى تمتع بها بقية البرالمة الذين دخلوا الجامعة وهم صفحات بيضاء لم تسمع بالانشطة السياسية الا بالجامعة فلم يكن خارج الجامعة نشاط علنى معروف مثل الذى بالجامعة. بالمناسبة الجامعة كانت نقلة كبرى بالنسبة لجيلنا، نقلة من القيود الشاملة الى الحرية المطلقة، فقد كانت السينما محرمة علينا قبل الجامعة حد اننى لجأت الى الحيلة للذهاب للسينما فكنت اضع عودا من الحطب على سريرى واغطيه بالبطانية ثم اقفز بالسور واستمتع بالدور الثانى مع اصدقائي، حتى كان يوم هطل المطر فيه ونحن بالسينما واستغرب أبى من بقائي راقدا تحت المطر فاقترب من السرير واكتشف الخدعة وكانت علقة ساخنة. من هذه القيود انتقلنا الى عالم كل شئ فيه رهن ارادتك ، بمقدورك ان تذهب السينما أو المسرح أو الجامعات الأخرى أن تحضر المحاضرة أو تقضي وقتها بقاعة الصداقة في عرض نهارى، كل ذلك يرجع اليك وحدك. لا رقيب عليك سوى نفسك. والغريب ان الرقيب الذاتى كان صارما جدا. فقد كانت الحرية مكبوحة الجماح بالمسؤولية، فقد كنا نعرف جيدا أن واجبنا الأول هو النجاح وكل شئ آخر يجب الا يتعارض مع هذا الواجب. لكن العمل السياسي الذى كنا نمارسه كان عبئا ثقيلا، فقد كنا نجول المدن الثلاث بالعاصمة من أقصاها الى أقصاها وننفق وقتا طويلا في اجتماعات كثيرة كنا نظنها لسذاجتنا حينها قادرة على تغيير العالم، نتقمص فيها شخصيات واسماء لمناضلين بهرتنا سيرتهم وأفكارهم، شخصيا كنت معجبا بجفارا وناظم حكمت وبابلو نيرودا شاعر تشيلي، وكنت استعير اسم ناظم دوما، كانت اجواءا فيها غموض وسحر مصطنعين الى حد كبير لكنه غموض محبب يتناسب مع رغبتنا في تقمص ادوار أولئك الذين غيروا أفكار العالم ، الغريب اننا لم نتوقف امام فشلهم في تغيير عالمهم الذى ارادوا تغييره.كنا معجبين ببسالتهم وصلابتهم ووقوفهم بوجه الظلم وكان ذلك هو الشئ الملهم في سيرتهم. وكان هو الوقود الذى نحتاجه في رحلتنا الطويلة ضد نظام سياسي كنا نراه شرا مستطيرا ولانرضي بغير تغييره بديلا.

No comments:

Post a Comment

شكرا علي المشاركة والتواصل