ذكريات المدرسة الابتدائية
.درست في مدرسة الجنوبية الابتدائية بحي الدرجة بمدني قبالة مدرسة السني الثانوية التي كانت تسمي في ذلك الزمن النيل الازرق الثانوية وكان يدرس بها اخي الدكتور محمد سرالختم وقتها، كنت صغيرا في الصف الثالث الابتدائي حين انتقلت من مدرسة بانت غرب الابتدائية التي درست فيها الصفين الأول والثاني ثم انتقلت الأسرة الي حي 114 وكان لابد من نقلي الي مدرسة اقرب من بانت غرب التي كانت الأقرب حين كنا نسكن حي البيان، كان ذلك الانتقال انتقالا مبهرا ، فالبئية في مدني جنوب ( احياء الدرجة المزاد والحلة الجديدة و114وشندي فوق والسكة حديد) كانت شيئا مختلفا عن حي البيان وبانت والعشير، ففي هذا الجزء الجنوبي من مدني كانت الخضرة تكسو الشوارع بشكل واضح، كانت الحواشات القريبة التابعة لمشروع الجزيرة وتلك الترعة التي تشق حي 114 وتفصله عن الدرجة تضيف بعدا مختلفا للمنطقة، مدرسة النيل الأزرق كانت عالما ساحرا وجميلا ومشتهي، كانت فناء واسعا به مجموعة كبيرة من الفصول وبها داخلية مكتظة بالطلاب، وبها ميادين باسكت بول وكرة طائرة مميزة،اتذكر اننا كنا عندما نأتي صباحا الي المدرسة نتلفت صوب ميدان الطائرة الخاص بمدرسة النيل الازرق،، نري الشبكة منصوبة وفريقان من طلبتها واقفان كل فريق يرتدي زيا مميزا، وثمة استاذ مصري الجنسية يرتدي فنيلة خضراء ممسكا بالصفارة، تبدأ المباراة صاخبة ساحنة وبقية الطلاب حول الملعب يشجعون ونحن ننظر من بعيد في شوق الي يوم نبلغ فيه هذه المدرسة، يرن الجرس في مدرستنا فنركض نحو الباب الصغير خوفا من العقاب ان تأخرنا عن الطابور، ويتكرر المشهد ذاته كثيرا، اظن ان ثمة حكمة كامنة خلف تجاور مدرستين مثل مدرستنا الصغيرة ومدرسة اخوتنا الكبار الثانوية العليا التي تفصل بيننا وبينها مرحلة الثانوي العام، فقد كانت المدرسة الثانوية بميزاتها غير الموجودة في مدرستنا تمثل طموحا مشروعا لنا وتشكل حلما يجعلنا نطوي الفصول طيا لبلوغه، اتذكر ان ناظر مدرستنا الاستاذ محمد يوسف كان رجلا صارما ومهابا، اتذكر حتي العجلة التي كان يستقلها في قدومه وذهابه، اتذكر انني قابلته بعد سنوات عديدة في السوق الجديد بمدني جوار البوستة، كان لايزال علي عجلته تلك وكنت قد بت محاميا يرتدي بذلة كاملة في عز الصيف، توقفت وصافحته وقلت له انني تلميذه فضحك وقال لي يا بني انا لا انسي تلاميذي ابدا، اتذكرك وكل زملائك واحدا واحدا، وانا فخور بكم دائما ويكفيني ان يوقفني في كل دقيقة واحد منكم ويسلم علي بصفتي المحببة التي لايسلبها مني معاش الحكومة( يا استاذ)، كان متأثرا جدا، وكنت سعيدا جدا بلقائه، تذكرت قصة سراج الجعلي ذلك النحيف المشاكس الذي كان نجم الفصل في الهرجلة ونجم الطابور في الصمود امام الجلد العلني المتكرر، كان لايصرخ ولا يئن ابدا، يرفعه اربعة من (ناس ورا) الذين يتميزوا بالطول والقوة وبروز معالم البلوغ عليهم، ينهال السوط علي صلبه وهو يضغط علي اسنانه وحين يطلقوه يقفز نشيطا ويقف في الطابور كأن شيئا لم يكن، حتي كان يوم، كان المسؤول عن الطابور في ذلك اليوم استاذنا مهدي عابدين لاعب اتحاد مدني الفلتة في ذلك الزمان، لاحظ استاذ مهدي في صمود سراج شيئا غير عادي، فانبري وفتشه فاخرج (لستكا جوانيا) كاملا كان محشوا بين الرداء والجسد النحيل، حين رفعوا سراج مجردا من حصانته الخفية صرخ باعلي صوته من السوط
الأول وبكي في الثاني وانفلت هاربا من المدرسة في الثالث وضحك الطابور كله....
.درست في مدرسة الجنوبية الابتدائية بحي الدرجة بمدني قبالة مدرسة السني الثانوية التي كانت تسمي في ذلك الزمن النيل الازرق الثانوية وكان يدرس بها اخي الدكتور محمد سرالختم وقتها، كنت صغيرا في الصف الثالث الابتدائي حين انتقلت من مدرسة بانت غرب الابتدائية التي درست فيها الصفين الأول والثاني ثم انتقلت الأسرة الي حي 114 وكان لابد من نقلي الي مدرسة اقرب من بانت غرب التي كانت الأقرب حين كنا نسكن حي البيان، كان ذلك الانتقال انتقالا مبهرا ، فالبئية في مدني جنوب ( احياء الدرجة المزاد والحلة الجديدة و114وشندي فوق والسكة حديد) كانت شيئا مختلفا عن حي البيان وبانت والعشير، ففي هذا الجزء الجنوبي من مدني كانت الخضرة تكسو الشوارع بشكل واضح، كانت الحواشات القريبة التابعة لمشروع الجزيرة وتلك الترعة التي تشق حي 114 وتفصله عن الدرجة تضيف بعدا مختلفا للمنطقة، مدرسة النيل الأزرق كانت عالما ساحرا وجميلا ومشتهي، كانت فناء واسعا به مجموعة كبيرة من الفصول وبها داخلية مكتظة بالطلاب، وبها ميادين باسكت بول وكرة طائرة مميزة،اتذكر اننا كنا عندما نأتي صباحا الي المدرسة نتلفت صوب ميدان الطائرة الخاص بمدرسة النيل الازرق،، نري الشبكة منصوبة وفريقان من طلبتها واقفان كل فريق يرتدي زيا مميزا، وثمة استاذ مصري الجنسية يرتدي فنيلة خضراء ممسكا بالصفارة، تبدأ المباراة صاخبة ساحنة وبقية الطلاب حول الملعب يشجعون ونحن ننظر من بعيد في شوق الي يوم نبلغ فيه هذه المدرسة، يرن الجرس في مدرستنا فنركض نحو الباب الصغير خوفا من العقاب ان تأخرنا عن الطابور، ويتكرر المشهد ذاته كثيرا، اظن ان ثمة حكمة كامنة خلف تجاور مدرستين مثل مدرستنا الصغيرة ومدرسة اخوتنا الكبار الثانوية العليا التي تفصل بيننا وبينها مرحلة الثانوي العام، فقد كانت المدرسة الثانوية بميزاتها غير الموجودة في مدرستنا تمثل طموحا مشروعا لنا وتشكل حلما يجعلنا نطوي الفصول طيا لبلوغه، اتذكر ان ناظر مدرستنا الاستاذ محمد يوسف كان رجلا صارما ومهابا، اتذكر حتي العجلة التي كان يستقلها في قدومه وذهابه، اتذكر انني قابلته بعد سنوات عديدة في السوق الجديد بمدني جوار البوستة، كان لايزال علي عجلته تلك وكنت قد بت محاميا يرتدي بذلة كاملة في عز الصيف، توقفت وصافحته وقلت له انني تلميذه فضحك وقال لي يا بني انا لا انسي تلاميذي ابدا، اتذكرك وكل زملائك واحدا واحدا، وانا فخور بكم دائما ويكفيني ان يوقفني في كل دقيقة واحد منكم ويسلم علي بصفتي المحببة التي لايسلبها مني معاش الحكومة( يا استاذ)، كان متأثرا جدا، وكنت سعيدا جدا بلقائه، تذكرت قصة سراج الجعلي ذلك النحيف المشاكس الذي كان نجم الفصل في الهرجلة ونجم الطابور في الصمود امام الجلد العلني المتكرر، كان لايصرخ ولا يئن ابدا، يرفعه اربعة من (ناس ورا) الذين يتميزوا بالطول والقوة وبروز معالم البلوغ عليهم، ينهال السوط علي صلبه وهو يضغط علي اسنانه وحين يطلقوه يقفز نشيطا ويقف في الطابور كأن شيئا لم يكن، حتي كان يوم، كان المسؤول عن الطابور في ذلك اليوم استاذنا مهدي عابدين لاعب اتحاد مدني الفلتة في ذلك الزمان، لاحظ استاذ مهدي في صمود سراج شيئا غير عادي، فانبري وفتشه فاخرج (لستكا جوانيا) كاملا كان محشوا بين الرداء والجسد النحيل، حين رفعوا سراج مجردا من حصانته الخفية صرخ باعلي صوته من السوط
الأول وبكي في الثاني وانفلت هاربا من المدرسة في الثالث وضحك الطابور كله....
حكايةالرجل الذى غير حياتنا( الى الأسوأ)
من الاشياء الموجعة في ذكريات الطفولة في مدرسة الجنوبية الابتدائية تلك الجريمة التي ارتكبها أحد المعلمين بحقنا، كانت مدرستنا تجمع بيننا نحن ابناء العمال الفقراء محدودي الدخل وبين أولاد كبار الموظفين والتجار في المدينة، فقد كان حي الدرجة الذي تقع به المدرسة هو حي الطبقتين الوسطي والثرية وكان سكانه يجمعون بين خليط من كل الطبقات وصفوة من الأثرياء وكبار الموظفين في المدينة، كانت ظاهرة التعليم الخاص والمدارس الخاصة لم تعرف طريقا بعد للمجتمع السوداني في ذلك الزمن منتصف السبعينات، كانت المدارس كلها حكومية وشعارات مثل الزامية التعليم ومجانيته هي المحببة لدي حكومة النميري ذات الشعارات الاشتراكية، كانت الدروس الخصوصية تشق طريقا خجولا في ذلك الوقت، وكان من نصيبنا ان ندفع ثمن ماقبضه معلمنا ذلك الذي يسمي يونس وكان استاذا للحساب قبل ان يصير اسمه رياضيات، اختار ثلاثة من كبار تجار المدينة الاستاذ المذكور ليقدم دروسا خاصة لاولادهم الثلاثة في الحساب، فانعكست تلك الحصص الخصوصية علينا نحن الذين لم نكن نحتاجها ولانملك ثمنها لو احتجناها ، كان انعكاسها علينا ان معلمنا المحترم بات يميز بين طلابه الخصوصيين دافعي الأجر الخاص من اولاد المصارين البيضاء وبين تلاميذه الفقراء الذين تدفع له الحكومة نيابة عنهم راتبه المحدد، كنانرفع ايدينا ونصرخ بحماسة ( فندي ...فندي....فندي) لكي نجيب علي سؤال في الحصة فيتجاهل اصابعنا الصغيرة واصواتنا التي بحت ويطلب من واحد من فرسانه الثلاثة ان ينهض ويجيب واذا اخطأ يعدل اجابته ويطلب التصفيق له، كنا نشعر بالم كبير وحسرة وغضب منه ومنهم، كيف سولت له نفسه وهو معلمنا كلنا ان يمنح بعضنا امتيازا علي البعض لاسباب لاعلاقة لها البتة بالتعليم او الذكاء، وكيف قبلوا هم ان يصبح الفصل واستاذه ملكا لهم وحدهم ونصبح فيه لاقيمة لنا ولاصوت مثل جدرانه؟ ....كان رد فعلنا ان كرهنا الاستاذ فكرهنا حصته وكرهنا الحساب كراهية امتدت الي عمرنا كله وقذفت بنا فيما بعد بعيدا عن المساق العلمي وقذفت بنا في حينه الي ترتيب متأخر في الفصل، اتذكر جيدا انني كنت قد جئت منقولا من مدرسة بانت غرب وترتيبي الأول مشترك بنقصان ثلاث درجات فقط وكانت درجتي في الحساب ممتازة جدا، وحين انهيت عامي الأول بعد صدمة استاذ يونس تلك وترتيبي الحادي عشر ودرجات الحساب هي الأسوأ وهي سبب التدحرج.... كانت تلك جريمة لاتغتفر لازلت اتذكرها بذات الشعور بالظلم وبالغضب برغم السنوات البعيدة التي تقع مابين عام 1974 وعام 2013. الغريب ان الفرسان الثلاثة لم يتجاوزوا في التعليم المرحلة الثانوية، توقف قطارهم فيها وباتوا تجارا مثل ابائهم ، فيما واصل أقرانهم تعليمهم الي أعلي مراتبه، لم تشفع لهم نقود ابائهم ولم تمنع أقرانهم قلة حيلة ابائهم من مواصلة تعليمهم. اما استاذ يونس فنسأل الله ان يسامحه ويفغر له ماتقدم وتأخر من ذنبه، فقد كانت غلطته معنا درسا نافعا لنا تعلمنا منه الكثير وأهم ماتعلمناه هو اجتناب الظلم بكافة اشكاله.
No comments:
Post a Comment
شكرا علي المشاركة والتواصل