لم يكن القدوم الي مدينة بورتسودان اختيارا، كان شيئا صنعته الصدفة والظروف والأقدار
وكنت كارها لذلك الانتقال من الخرطوم التى ولجتها بعد سنوات من الطواف في الأطراف
قادما من دارفور بعد ستة سنوات قضيتها هناك، لم يدم وجودى بالخرطوم طويلا حين فوجئت ذات ظهيرة حارقة في شهر مايو 2006 بخبر نقلي الي بورتسودان، أسودت الدنيا في وجهى وشعرت بغضب كبير وغبن حتى اننى فكرت في الاستقالة من العمل وشرعت في ذلك فقوبل طلبى بالرفض وكان ذلك من حسن حظى،جئت الي بورتسودان كمن ألقي به في جوف السجن ،وكنت طوال الطريق أفكر في السيناريوهات المحتملة ولم يكن من بينها أبدا ما جري وتحقق في أرض الواقع ، جئتها بدموع صامتة وخرجت منها بعد أربع سنوات بدموع علنية صادقة، بكيت من القدوم اليها سرا ، فابكتنى عليها علناًعند الرحيل القسرى عنها، بحساب السنين هى اربع سنوات ، وبحساب الحياة والخوة والصداقة والجمال البشري في تلك الأرواح التى عشت بين اصحابها هى حياة كاملة، حياة لايريد من يعشها ان تأتى لها نهاية أبدا، كان أول من التقيته عند قدومى الي المدينة شاب رائع عميق صار فيما بعد صديقي وعرفت فيه صورة رائعة لما هو عليه انسان هذه المدينة ذلكم هو الشاب مأمون عبد الله مسعود طلق المحيا دائم الابتسام لبق الحديث ودود وكريم تشعر للوهلة الأولى في حضرته انك عرفته طوال عمرك، كنت بالفعل قد سمعت عنه قبل مجيئى الي بورتسودان من صديق مشترك أوصاه خيرا بى وأوصانى بدخول المدينة من بوابته ، فاكتشفت لاحقا انه أحد بوابات المدينة بالفعل، كان آخر عهدى ببورتسودان عام 1990 حين جئتها وقتها محاميا قادما من ودمدنى مع موكلين كان لديهم قضية ببورتسودان وجئت وقتها بالطائرة واقمت بفندق في قلب المدينة يومان ثم عدت بالطائرة وليس بذاكرتى من المدينة التى كانت تعج بالذباب والحر الا منظر الماء حين يبلل الجسد بحبات الملح فتندم علي الاستحمام، كانت المدينة في ذلك الزمان مدينة قاحلة لاعلاقة لها ببوتسودان الراهنة الانيقة الجميلة، لذلك كنت متوجسا حين جئتها بعد ستة عشر عاما من الغياب، لكنها كانت مدينة أخري خلعت أسمالها البالية وتأنقت وتألقت كأنها عروس تتهيأ لليلة العمر النفيسة، ثمة شئ من تلك باق في أطراف المدينة ولكن مظاهر كثيرة أختفت وتلاشت.....وحين تهادت السيارة التى يقودها زميلي واخى الاكبر مولانا محمد النذير محمد المبارك من المطار الي قلب المدينة كنت أتلفت يمنة ويسرة باحثا عن الوجه القديم ، فاذا بى المح عمرانا جديدا، شوارع أنيقة نظيفة ، حين بلغت السيارة ناديا الهلال وحي العرب المتجاوران فقط وجدت ملمحا من تلك التى اعرف، حين بلغت السينما بعد نادى حى العرب كدت اطلب من السائق التوقف كى اذهب الي سوق الطبالي حيث اشتريت في تلك المرة الأولي فردة سواكنية انيقة للخطيبة آنذاك وهى زوجتى العزيزة، لمحت الأكشاك الصغيرة بضجيجها المحبب فكاد قلبي يقع بين أقدامى
ذاك مكان أليف محبب للنفس ولعل من أقسي وأفظع قرارات الوالي الهمام ايلا هو ذلك القرار الذى حكم علي سوق الطبالي الفريد بالموت فيما بعد، ذلك سوق كان يمثل معلما وملمحا محببا لكل أهل الشرق وكل من يزور بورتسودان، كان زمانا جميلا
وكان سوق الطبالي قبلة الفقراء ومزار السواح من داخل البلاد وخارجها
كان غلافا أنيقا لمدينة كانت راسفة في فقرها في زمن ما...... المهم قاومت نفسي وواصلت حتى بلغت الميز الذى تم اعدامه هو الآخر لاحقا بواسطة جهات رأت في بيع بوابة من بوابات التاريخ انجازا ومكسبا ، في حين كان ذلك الميز الصغير قبالة الجامع الكبير في بورتسودان رئة من رئات التاريخ تتنفس تاريخا وتحكى تعاقب الاجيال من القضاة عليه، كان معلما من معالم القضائية في بورتسودان أغلي بكثير من النقود التى بيع بها في مقاييس عشاق الأمكنة مثلى وعنه سوف أكتب ، عن غرفه الخانقة وعن الحصي في حوشه وعن شجرته العريقة وعن قططه المخيفة وعن اشياء كثيرة أخري، في ذلك المكان كان أول سقف أويت اليه في بورتسودان....
كان لافتا للنظر ذلك الحصي مدبب الأطراف الذي يغطى حوش الميز كله ويجعل المشي حافيا أو بسفنجة عذابا لايطاق ولم اعرف حتى مبارحتى للميز وبورتسودان كلها السر في اختيار فرش الحوش بهذا الحصي القاسي الذي فيه ملامح من جبال البحر الأحمر الكبيرة،كان الميز يتكون من جزئيين : جزء صغير له باب صغير مطل علي مدرسة بورتسودان الثانوية المجاورة للميز وهذا الجزء يتكون من غرفة واحدة واسعة امامها فناء صغير وحمام خارجى تابع لها ، وفي هذه الغرفة كانت اقامتى بصحبة مولانا محمد ابراهيم احمد حسين الشهير بحجو قاضي الاستئناف الذى جاء منقولا في ذات توقيت نقلي ، في تلك الغرفة ومع ذلك الرجل البحر الواسع المعرفة الساخر الزاهد و ان بدا ساخطا دوما، كانت اقامتى القصيرة في الميز وهى ثلاثة أشهر انتقلت بعدها الي شقة جميلة علي بعد خطوات من الميز في عمارة بنك التضامن في الطابق الثانى حيث اقمت مع اسرتى كل فترة عملي ببورتسودان ، ومن الصدف الغريبة جدا أننا حين تقطع الكهرباء عن الميز والمدينة كنا نلاحظ ان تلك العمارة تكون مضئية لوجود مولد ضخم خاص ببنك التضامن يضئيها كلها، فنجلس في الظلام وابصارنا متعلقة بضوئها وكنت ادعو الله في سري ان يكون لى نصيب للسكن فيها أو في موقع مشابه ، وكان من لطف المولى بى وكرمه على ان جعل لى نصيبا بالاقامة فيها والتمتع بمزاياها لمدة اربعة سنوات هى فترة اقامتى وعملى ببورتسودان. اما باقي الميز فكان عبارة عن ثلاث غرف داخل برندة مغلقة بالنملى والخشب وله باب خاص بها وباب آخر يفتح علي السوق وتحديدا علي مبانى الجامع الكبير . في ذلك الجزء كان يقيم شباب القضاة حاتم قرنى وادم حاج الطاهر وبيتر اوبج وابو القاسم (الشابي) ومحمد عبد الله ابو وكان هناك قاض جنوبي مهذب ورقيق آخر يدعي فيليب .
العم حمام خزنة الأسرار
كل التفاصيل الجميلة اتذكرها ، حتى ذلك الرجل الكبير في السن المقيم معنا بالميز، ذلك الرجل الخدوم الغامض ووجوده المؤثر وعلاقته بمجموعة الميز ، كان اسمه العم حمام،و كان حمامة جريحة حنونة تعطى بسخاء برغم جرحها الذى طوت عليه قلبها، كان واضحا ان الرجل له قصة ما حزينة الفصول آثر الا يرويها لأحد ، رجل مرتب ومنظم وحسن المظهر وكل شئ عنده مثل بندول الساعة لايتخلف عن موقعه أو زمنه ، كان يقاسمنا الميز ولديه اوقات يختفي فيها ويغيب ثم يعود في ميعاده بلا تأخير وفي بعض الأحيان يأتى من يزوره وكان وجوده بالميز وهو لايعمل بالمصلحة القضائية مثيرا للتساؤلات لكنه كان وجودا متوارثا ومستمرا فبات مثل كل غرفة وحائط في الميز مبررا وعاديا ولكنه يظل مثيرا للفضول والأسئلة خصوصا انه كبير في سنه فقد تجاوز منتصف الستينات لكنه يبدو أصغر وأوفر شبابا، كان طباخا ماهرا جدا وله نفس خاص في كل شئ تلمسه يده وخاصة السمك وكانت بينه وبين حاتم قرنى ضابط الميز النشيط صلات خاصة موضوعها تدبير كل شئ يتعلق بوجبات الميز الشهية وتحليته كان رجلا لايمكن نسيانه، حاولت التقرب اليه كثيرا للوقوف علي قصة حياته وسره الغامض الظاهر للعيان لكن محاولاتى باءت بفشل ذريع ، فالرجل يتحدث في كل شئ الا عن نفسه...رحمه الله رحمة واسعة فقد عرفت فيما بعد بسنين عديدة انه رحل عن الفانية حاملا كل الاسئلة حوله وحول حياته معه الي هوة صمت أبدى ولكنه ظل ويظل رجلا جميلا احببناه بصدق.
قطط الميز
كانت الظاهرة الملفتة الاخري في الميز وربما في بورتسودان كلها هي ظاهرة القطط الكثيرة المنتشرة التي تتجول في المكان بحرية وغطرسة ولاتتهش ولاتتنش، مما يعمق الرهبة في النفوس تلك الرهبة التي تنبع من حكايات كثيرة تروي عن قطط بورتسودان وسواكن فتجعل الدم يتجمد في العروق، اظن تلك القطط تعلم ا ن بنى البشر يخافون منها ويتحاشون ضربها أو الاقتراب منها أو محاولة ايذائها بأي شكل بسبب تلك الأساطير والحكايات التى يسمعونها وينسجونها عنها، ولهذا السبب فانك اذا نهرتها فلن تهتم بك بل تنظر في عينيك مباشرة وقد تتمطى في كسل فتجد نفسك انت الهارب من المكان، كان الميز يعج بالقطط وكانت أكثر من سكانه، تأتى من أمكنة مجهولة وتبقي ماشاء لها البقاء وتذهب وقت تشاء، ومن الصور المحفورة بذاكرتى مشهد الهرة التى أكلت بنيها ذات ليلة في الميز وذلك الصراخ الشبيه بصراخ طفل وليد الذي شق سكون الليل، تكرر الصراخ وتكررت أصوات أخري وبدت الأصوات المستغيثة أصواتا إنسانية تمزق نياط القلوب ، وبقيت قابعا في غرفتى ولم اجروء علي الخروج لمشاهدة المنظر حين تصورته من خلال تحليل أحد الزملاء لما يجري خارجا حسب خبراته، وفي الصباح لم نجد أيا من القطط الصغيرة الوليدة في مكانها الذى كانت تحتله وكانت أمها التى ولدتها هنالك وظلت ساهرة عليها طيلة الفترة السابقةغير موجودة هى الأخرى، سألت عما جري ليلا، فعرفت ان هناك احتمالين: اما ان تكون قطط دخيلة قد أكلت الصغار بعد معركة مع الأم ، وإما ان تكون الأم نفسها هى الفاعلة، لم ابحث كثيرا عن حقيقة كل وجه محتمل لها هو وجه قبيح، وبات تناول الطعام صعبا لعدة ايام وانا اتخيل القطة الأم وهى تنهش بنيها، كانت القشعريرة تسري في كل جسدي ، فألوذ بالصمت.سألت نفسي والآخرين عن مدى صحة مقولة ان القطة تأكل بنيها فتعددت الاجابات وكثرت ، بعضهم يقول
أن القطة حينما ترى أن فرصة عيش أحد صغارها مستحيلة تقوم بأكله لكي تقوى على إرضاع باقي أطفالها لأنها تكون منهكة جداً بعد الولادة.. وهناك أقوال تقول أن القطة تعتقد أن هذا الصغير إن لم تأكله فسيقتلها عندما يكبر.. وهناك أقوال تقول أن القطة تأكل أول مولود لها وهو يكون أقواهم وأكثرهم حملاً للفيتامينات والعناصر المفيدة فتأكله القطة فتقوى على تربية باقي أولادها لذلك هناك مقولة تقول أن أول مولود للقطة إذا أخذته فور ولادته وكبر فسيصبح قط قوي وكبير. ويري البعض ان القطط لا تأكل صغارها ابدا ولكنها عند ولادتهم تبدأ الام بقطع الحبل السري للقطط المولودة باسنانها كما هو الحال عند الانسان فيتوهم البعض ان الام تأكل صغارها وهذا غير صحيح. عموما لازلت حائرا في هذا الصدد ولم اركن الي صحة أي اجابة ولم اتيقن من حقيقة ما حدث في الميز لكن الحقيقة المؤكدة ان صغار القطة اختفوا جميعا في الصباح التالي ولم يظهروا أبدا ولازال صراخهم الذي فيه شئ آدمى يرن في اذنى كما سمعته في تلك الليلة ولازلت اتخيل القطط الصغار الجميلات في فك امهن أو في أفواه قطط ضالة شرسة انتزعتهن من حضن الأم في غيبتها أو حضورها وركضن بهن بعيدا لينهشن الاجساد الغضة..
كان لافتا للنظر ذلك الحصي مدبب الأطراف الذي يغطى حوش الميز كله ويجعل المشي حافيا أو بسفنجة عذابا لايطاق ولم اعرف حتى مبارحتى للميز وبورتسودان كلها السر في اختيار فرش الحوش بهذا الحصي القاسي الذي فيه ملامح من جبال البحر الأحمر الكبيرة،كان الميز يتكون من جزئيين : جزء صغير له باب صغير مطل علي مدرسة بورتسودان الثانوية المجاورة للميز وهذا الجزء يتكون من غرفة واحدة واسعة امامها فناء صغير وحمام خارجى تابع لها ، وفي هذه الغرفة كانت اقامتى بصحبة مولانا محمد ابراهيم احمد حسين الشهير بحجو قاضي الاستئناف الذى جاء منقولا في ذات توقيت نقلي ، في تلك الغرفة ومع ذلك الرجل البحر الواسع المعرفة الساخر الزاهد و ان بدا ساخطا دوما، كانت اقامتى القصيرة في الميز وهى ثلاثة أشهر انتقلت بعدها الي شقة جميلة علي بعد خطوات من الميز في عمارة بنك التضامن في الطابق الثانى حيث اقمت مع اسرتى كل فترة عملي ببورتسودان ، ومن الصدف الغريبة جدا أننا حين تقطع الكهرباء عن الميز والمدينة كنا نلاحظ ان تلك العمارة تكون مضئية لوجود مولد ضخم خاص ببنك التضامن يضئيها كلها، فنجلس في الظلام وابصارنا متعلقة بضوئها وكنت ادعو الله في سري ان يكون لى نصيب للسكن فيها أو في موقع مشابه ، وكان من لطف المولى بى وكرمه على ان جعل لى نصيبا بالاقامة فيها والتمتع بمزاياها لمدة اربعة سنوات هى فترة اقامتى وعملى ببورتسودان. اما باقي الميز فكان عبارة عن ثلاث غرف داخل برندة مغلقة بالنملى والخشب وله باب خاص بها وباب آخر يفتح علي السوق وتحديدا علي مبانى الجامع الكبير . في ذلك الجزء كان يقيم شباب القضاة حاتم قرنى وادم حاج الطاهر وبيتر اوبج وابو القاسم (الشابي) ومحمد عبد الله ابو وكان هناك قاض جنوبي مهذب ورقيق آخر يدعي فيليب .
العم حمام خزنة الأسرار
كل التفاصيل الجميلة اتذكرها ، حتى ذلك الرجل الكبير في السن المقيم معنا بالميز، ذلك الرجل الخدوم الغامض ووجوده المؤثر وعلاقته بمجموعة الميز ، كان اسمه العم حمام،و كان حمامة جريحة حنونة تعطى بسخاء برغم جرحها الذى طوت عليه قلبها، كان واضحا ان الرجل له قصة ما حزينة الفصول آثر الا يرويها لأحد ، رجل مرتب ومنظم وحسن المظهر وكل شئ عنده مثل بندول الساعة لايتخلف عن موقعه أو زمنه ، كان يقاسمنا الميز ولديه اوقات يختفي فيها ويغيب ثم يعود في ميعاده بلا تأخير وفي بعض الأحيان يأتى من يزوره وكان وجوده بالميز وهو لايعمل بالمصلحة القضائية مثيرا للتساؤلات لكنه كان وجودا متوارثا ومستمرا فبات مثل كل غرفة وحائط في الميز مبررا وعاديا ولكنه يظل مثيرا للفضول والأسئلة خصوصا انه كبير في سنه فقد تجاوز منتصف الستينات لكنه يبدو أصغر وأوفر شبابا، كان طباخا ماهرا جدا وله نفس خاص في كل شئ تلمسه يده وخاصة السمك وكانت بينه وبين حاتم قرنى ضابط الميز النشيط صلات خاصة موضوعها تدبير كل شئ يتعلق بوجبات الميز الشهية وتحليته كان رجلا لايمكن نسيانه، حاولت التقرب اليه كثيرا للوقوف علي قصة حياته وسره الغامض الظاهر للعيان لكن محاولاتى باءت بفشل ذريع ، فالرجل يتحدث في كل شئ الا عن نفسه...رحمه الله رحمة واسعة فقد عرفت فيما بعد بسنين عديدة انه رحل عن الفانية حاملا كل الاسئلة حوله وحول حياته معه الي هوة صمت أبدى ولكنه ظل ويظل رجلا جميلا احببناه بصدق.
قطط الميز
كانت الظاهرة الملفتة الاخري في الميز وربما في بورتسودان كلها هي ظاهرة القطط الكثيرة المنتشرة التي تتجول في المكان بحرية وغطرسة ولاتتهش ولاتتنش، مما يعمق الرهبة في النفوس تلك الرهبة التي تنبع من حكايات كثيرة تروي عن قطط بورتسودان وسواكن فتجعل الدم يتجمد في العروق، اظن تلك القطط تعلم ا ن بنى البشر يخافون منها ويتحاشون ضربها أو الاقتراب منها أو محاولة ايذائها بأي شكل بسبب تلك الأساطير والحكايات التى يسمعونها وينسجونها عنها، ولهذا السبب فانك اذا نهرتها فلن تهتم بك بل تنظر في عينيك مباشرة وقد تتمطى في كسل فتجد نفسك انت الهارب من المكان، كان الميز يعج بالقطط وكانت أكثر من سكانه، تأتى من أمكنة مجهولة وتبقي ماشاء لها البقاء وتذهب وقت تشاء، ومن الصور المحفورة بذاكرتى مشهد الهرة التى أكلت بنيها ذات ليلة في الميز وذلك الصراخ الشبيه بصراخ طفل وليد الذي شق سكون الليل، تكرر الصراخ وتكررت أصوات أخري وبدت الأصوات المستغيثة أصواتا إنسانية تمزق نياط القلوب ، وبقيت قابعا في غرفتى ولم اجروء علي الخروج لمشاهدة المنظر حين تصورته من خلال تحليل أحد الزملاء لما يجري خارجا حسب خبراته، وفي الصباح لم نجد أيا من القطط الصغيرة الوليدة في مكانها الذى كانت تحتله وكانت أمها التى ولدتها هنالك وظلت ساهرة عليها طيلة الفترة السابقةغير موجودة هى الأخرى، سألت عما جري ليلا، فعرفت ان هناك احتمالين: اما ان تكون قطط دخيلة قد أكلت الصغار بعد معركة مع الأم ، وإما ان تكون الأم نفسها هى الفاعلة، لم ابحث كثيرا عن حقيقة كل وجه محتمل لها هو وجه قبيح، وبات تناول الطعام صعبا لعدة ايام وانا اتخيل القطة الأم وهى تنهش بنيها، كانت القشعريرة تسري في كل جسدي ، فألوذ بالصمت.سألت نفسي والآخرين عن مدى صحة مقولة ان القطة تأكل بنيها فتعددت الاجابات وكثرت ، بعضهم يقول
أن القطة حينما ترى أن فرصة عيش أحد صغارها مستحيلة تقوم بأكله لكي تقوى على إرضاع باقي أطفالها لأنها تكون منهكة جداً بعد الولادة.. وهناك أقوال تقول أن القطة تعتقد أن هذا الصغير إن لم تأكله فسيقتلها عندما يكبر.. وهناك أقوال تقول أن القطة تأكل أول مولود لها وهو يكون أقواهم وأكثرهم حملاً للفيتامينات والعناصر المفيدة فتأكله القطة فتقوى على تربية باقي أولادها لذلك هناك مقولة تقول أن أول مولود للقطة إذا أخذته فور ولادته وكبر فسيصبح قط قوي وكبير. ويري البعض ان القطط لا تأكل صغارها ابدا ولكنها عند ولادتهم تبدأ الام بقطع الحبل السري للقطط المولودة باسنانها كما هو الحال عند الانسان فيتوهم البعض ان الام تأكل صغارها وهذا غير صحيح. عموما لازلت حائرا في هذا الصدد ولم اركن الي صحة أي اجابة ولم اتيقن من حقيقة ما حدث في الميز لكن الحقيقة المؤكدة ان صغار القطة اختفوا جميعا في الصباح التالي ولم يظهروا أبدا ولازال صراخهم الذي فيه شئ آدمى يرن في اذنى كما سمعته في تلك الليلة ولازلت اتخيل القطط الصغار الجميلات في فك امهن أو في أفواه قطط ضالة شرسة انتزعتهن من حضن الأم في غيبتها أو حضورها وركضن بهن بعيدا لينهشن الاجساد الغضة..
No comments:
Post a Comment
شكرا علي المشاركة والتواصل