بعض المدن مثل القهوة سوداء ومرة وساكنة من الخارج ولكنها جميلة نبيلة ومنعشة وصديقة من الداخل.....
وبعضها مثل الغانيات مزخرفة مبهرجة وجاذبة لكنها لاتدخل القلب أبدا... تشعر فيها بالإختناق والرغبة في الرحيل والركض بأسرع ما تستطيع....
أما الناس فهم عوالم متباينة وهم مثل الهواء ، كما يحمل الأوكسجين ، يحمل اكثر الميكروبات فتكا بالأنسان.... وقد ينعطف في اللحظة الأخيرة ويترفق بك ولايصيبك بالأذي قصداً أو عفواً.... وقد يترك الهواء الملوث كل شئ ويقصد هدفا محددا ويلتصق به ويمتص رحيق عافيته....
الناس بعضهم فيه جمال ونبل وصفات فريدة غير قابلة للتكرار
منهم من يكفي ان يحل بالمكان فترتسم الابتسامات علي الوجوه
يصبح الكل سعيدا ولطيفا وراغبا في الضحك والتبسم ولفت نظر
الشخص الفراشة
مثل هولاء في مدني مدينتنا كثر
منهم من قضي نحبه ومن ينتظر
أناس تتعلق البسمة بهاماتهم كما يتعلق القمر بالسماء
فحيث حلوا كانت البسمة
ومن الناس من تأتي معه المصائب والمتاعب والتوترات
أتذكر في مدني شخصيات كانت لاتحل بمكان الا وتحسس كل شخص عصاه أو غادر المكان...يزداد التوتر اذا كانت المناسبة حفلة عرس
فهولاء نذير شؤوم وجرس إنذار بمشاجرة جماعية قادمة
............... كان ذلك زمان....
في هذا الزمان
ظهرت صور جديدة
متسلقون كاللبلاب أنتشروا في كل مكان
اجادوا تقمص كل الادوار
وارتداء كل انواع الملابس والاكسسوار
والرقص علي كل نغم ولو كان المكان
أطراف المقابر
هم قادرون علي التصفيق والهتاف والبكاء
والتهليل والغناء في وقت واحد
يجيدون تسديد الطعنات بلا شعور بالذنب
وينافسون العقارب في القدرة الفائقة علي اللدغ دون الظهور علي الخشبة
ويفوقون الحرباء في القدرة علي التلون
وهم
لايبكون
ولايندمون
ولا يشعرون بالندم
ولايعافون الجيفة
ولايجدون مشكلة في قضاء الحاجة في ذات الطبق الذي قدم لهم فيه الطعام.....
وهم
لايبالون
ولايهمهم علي جسد من يدقون المسامير ويمشون!!!!!!
مسرحية البشارة
اتذكر الان فجأة وبلا مقدمات أياما رائعة في مدرسة السني الثانوية الاعوام1980/1981/1982
وبالتحديد اتذكر مسرحية البشارة التي فازت مدرستنا بها بالجائزة الذهبية في الدورة المدرسية علي نطاق محافظة الجزيرة ثم علي نطاق السودان في منافسات الدورة المدرسية القومية بالابيض في نهاية عام 1981 ، المسرحية من تأليف الشاعر الاستاذ محمد محي الدين والاخراج للاستاذ الفاضل / بشير عبد الرحيم الشهير ب زمبة استاذ الفنون بالمدرسة والمسؤول عن الجانب الثقافي ونجاحات عديدة للمدرسة فيه في دورات متتابعات، مسرحية البشارة كانت بطولتها لمجموعة من زملائنا بالمدرسة علي رأسهم الاخ حاتم الذي صار تلميذا بمعهد الموسيقي فيما بعد قسم المسرح وصار مخرجا بالاذاعة والتلفزيون
وكان طالبا داخليا، وكان من نجوم المسرحية الاخ الصديق قيس حيدر الكاشف وهو قاض الان ،كان دور قيس هو فاكهة المسرحية، وكان هناك الاخ معتصم بيضاب ايضا كان له دور لاينسي وهناك آخرون سقطوا من الذاكرة، المسرحية كانت تصور صراعا يدور بين الخير والشر في قرية سودانية، كانت عملا ممتعا جمع بين قوة الموضوع وطرافة الطرح وروح المرح فيه والتشويق الشديد والديكوروالاكسسوار الذي اشتغل عليه الشهيد طه يوسف عبيد الذي كان رساما متمكنا استطاع ترجمة افكار المؤلف والمخرج الي لوحات لعبت دورا مهما في توصيل الافكار ونجاح المسرحية، وقد لايعرف الكثيرون هذه الصلة بين الشهيد طه يوسف عبيد الذي استشهد بعد عودته مع بعثة الجزيرة ظافرا بميدالية المسرح الذهبية مع مجموعة مسرحية البشارة واستشهد طه بعد اقل من اسبوع من ذلك فصدح محمد محي الدين بقصيدته الرائعة عشر لوحات للمدينة وهي تخرج من النهر مصورا فيها استشهاد الفتي وحالة الوطن المحكوم بالبندقية والهراوات آنذاك، مسرحية البشارة نفسها لم تخل من مضامين سياسية تحرض علي الثورة وتنادي بالتغيير وقد بقيت في ذاكرة ذلك الجيل بصمة ثقافية لاتنسي تجسد عبقرية الشباب السوداني الذي ارادت سلطة مايو ان تلهيه بالدورات المدرسية عن قضايا الوطن فجعل من تلك الدورات تظاهرات ثقافية ووطنية كبيرة وخالدة.
ومضة إشراق
لازلت أحن الي تلك الايام البرئية، لازلت أذكر كيف تعلق قلبي بها رغم فارق السنين ، لازلت أذكر تألق عينيها الواسعتين وهي تحكي لى عن خيبتها في الحب وأنا عاجز عن الحكي لها عن تعلقي بها،لكننى كنت أعرف بطريقة ما أنها تعرف أن قلبى الصغير متعلق بها، كنت في الثانوى العام وكانت في العالي،بضع أعوام دراسية تفصل بىننا ولكن قلبى اجتاز المسافة وقفز فوق الفارق مثل لص مطارد قفز سورا طوله متران بلا أدني تردد...لازلت أذكر أسم من أوجع قلبها فقد أوجع قلبي الصغير أكثر حين أوجع قلبها....
لازال قلبى يدق حين تلمع صورتها في الذاكرة.....
بنت الدباغة التي غسلت قلبى ودبغته وختمت عليه بخاتمها.
كلب ضال وعذاب المصل
ذات صباح كنت فجرا عند موقف البصات القديم بالسوق الجديد مبتغيا اللحاق بمحاضرة الصباح الأولي بمدرج حسين فهمي بالجامعة بالخرطوم كما هي العادة
كان لمواصلات الجزيرة في ذلك الزمن بص يغادر مدني فجرا ليلحق الطلاب والموظفين من ابناء مدني الذين يأتوا لقضاء الخميس والجمعة مع ذويهم بمحاضراتهم واعمالهم، لحقت بالبص وقطعت تذكرتي واخترت موقعا مميزا عند ست الشاى الجالسة في المسافة بين مكاتب مواصلات الجزيرة بشعارها البرتقالي بالابيضومكتب المؤسسة الوطنية بشعارها الرمادي وكانت تعيش ايامها الاخيرة في تلك الايام بعد طول زهوة وسيطرة ومكانة رفيعة قضت بها علي بصات الركبي والثقة
النيسانات التي تراجع روادها بعد ظهور بصات المؤسسة، المهم شربت الشاي وباللقيمات ونهضت متجها الي البص ، وطأت أقدامي كلبا شبه ضال كان نائما تحت البص دون أن اراه فكان نصيبي عضة قلبت برنامجي رأسا علي عقب، حيث توجهت فور وصولي الخرطوم الي مركز صحي الضو حجوج بدلا عن المدرج وبدأت رحلة موجعة مع واحد وعشرين حقنة تحتم علي أخذها كاملة لانه لم يكن ميسورا لي ان اعرف اذا كان الكلب مات أم لا، فهو مجرد كلب ضال...كنت انوم واصحو خائفا من ان انبح ذات يوم، وخائفا من احتمال اضطراري لاعادة الحقن كلها اذا تخلفت عن واحدة. كانت تجربة قاسية حقا.
القطر يمشي في الاستاد
من الشخصيات الجميلة في مدني والتي تشكل حكاية جديرة بالتوقف عندها شخصية القطر المذيع الداخلي لاستاد مدني، ذلك الرجل البسيط الذكي الموهوب الذي استطاع ان يصنع من مساحة صغيرة هي المساحة التي تتيحها الاذاعة الداخلية كونا كبيرا وألقا دائماً، أسمع صوته القوي وهو يجول في مدني للترويج لمباريات الدوري مطلقا القابه الفريدة علي كل فريق من فرق مدني ( الرومان...الاتحاد .... كانون الجزيرة النهضة...سيد الاتيام...ارجنتينا يا اهلينا.. الكوماندوز الدفاع....جزيرة فيل.....الافيال...)
ثم يصدح بالالقاب الخاصة باللاعبين: الغزال الشارد عثمان الله جابو....صخرة الدفاع قاسم سنطة.......................
القطر خلق حيوية لاحدود لها في المجتمع الرياضي ومنح مهنة المذيع الداخلي بريقا لم تعرفه قبله......
والطريف ان القطر من انصار النيل الجميل لكن ذلك لايظهر ابدا في نشاطه المهني
فهو واجهة لجميع الفرق ويقدمها في تعليقاته ودعايته جميعا بشكل منصف يرضي انصارها....
هو مبدع من مدني
حكايةالرجل العنكبوتى
حكايةالرجل العنكبوتى
في مدني لكل شئ طعم مختلف ونكهة خاصة
اتذكر الان ذلك الرجل صاحب الاسم المخيف (......) الذي ارتبط بالاتجار بالبنقو في مدني
احتل حيا كاملا ، كان جزءا منه وحاكما متوجا عليه، كان حيا يتكون من فقراء يشكون الي طوب الارض قلة تعليمهم وقلة حيلتهم وهوانهم علي الناس الذين ينفرون منهم ويسمونهم بوصف يعني ضمن ما يعني حكما ابديا بالعزلة الاجتماعية
لم نر من بينهم لاعبا نابها أو مطربا صاعدا أو تاجرا يشار اليه بالبنان، ولم نر من أولادهم من رافقنا في سنين الدراسة مع ان المدارس كانت علي مرمي حجر منهم، لم نسمع بزواج لهم ولم نسمع بمن تزوج منهم ، كانوا دائرة مغلقة تماما علي نفسها، حتي أصولهم غامضة فلايعرف لهم مثل بقية أهل المدينة أصل جغرافي أو عرقي وفدوا منه، كأن الارض إنشقت عنهم بغتة أو هبطوا من السماء، فلاهم ينتمون الي قبائل الشمال المعروفة ولاهم ينتمون الي الغرب ببطونه وقبائله الكثيرة ولاهم ينتمون الي البطانة أو الجزيرة بأصولها الكثيرة، ولاهم منتسبون الي الجزيرة العربية مثل بعض القبائل، لكنهم موجودون بالمدينة والوطن كله منذ فتحنا عيوننا، لكن الفقر اختارهم ووسمهم بميسمه وحكم عليهم بمهن شاقة تتطلب جهدا عضليا وشقاءا دائما وكلها مرتبطة بالحديد، يرسفون في اعلال من الحديد بسب الفقر والجهل المتفشي والعزلة الاجتماعية ويطوعون الحديد لاجل غيرهم نظير دراهم معدودة وثمن بخس، ربما يكون صاحبنا هو الوحيد الذي لمع من بينهم وسطع هذا السطوع في تجارة غير مشروعة، كنا اطفالا صغارا نتلمس الطريق الي المدارس خائفين حين سمغنا بمصطلحات تنتمي الي ذلك العالم مثل كلمة( الخانة) وكبرنا ونحن نسمع بقصص الرجل العنكبوتي الذي يدير شبكة تشمل كل متسول في المدينة ومتسولة ويغازل بعض رجال الشرطة الفاسدين بامواله فتكون اخباريات المداهمة عنده قبل اكتمال اتخاذ القرار فيعد عدته ويقف ساخرا من التفتيش الذي لن يسفر الا عن الخيبة، كبرت الاسطورة، وكثرت محاولات تحطيمها، وبات للرجل هالة تصنع منه زعيما محليا لمافيا لاتقتل ولاتسرق ولاترعب أحدا لكنها تدير تجارتها السوداء رغم انف الحكومة وتحيل كل مخبر الي مخبر مضاد، وراجت حكايات كثيرة تنسب للرجل نشاطا خيريا واسعا وسط أهله المنعزلين المعزولين ،وكانت تلك السيرة تجد مصداقية لها كلما قدم الرجل لمحاكمة، كانت جيوش من النساء البائسات يتجمهرن حاملات اطفالا ناحلين يبدون كالاشباح في صدورهن النحيلة، لكنهن يظلن يتابعن الجلسات يوما بعد يوم حتي تنتهي ، وكانت معظمها محاكمات طاش فيها سهم الحكومة وشرطتها وخرج الرجل ببراءة عززت أسطورته وأشاعت اليأس من امكانية النيل منه، لكن لكل أول آخر، وقعت الواقعة وضبط العنكبوتي بالثابتة، وذات صباح علق علي اعواد المشنقة في سجن مدني الكبير الذي خرج منه ظافرا مرات عديدة، خرج الرجل جثة هامدة بعد تنفيذ حكم الأعدام وانهارت امبراطورية الفقراء ولايعرف أحد من صار راس خيطهم بعده وماذا جري لاولئك النسوة التاعسات.
الرواكيب الصغيرة
كان ذلك المكان مكاناً خاصاًفي طبيعته، كنت مفتونا به برغم أن الوقت الذي كنت أقضيه فيه كان دقائق وثوان عابرة فقط، لكنني كنت اتوقف دوما عند أشياء صغيرة تثير في ذهني وعقلي الطفل أسئلة كثيرة وكبيرة، كان المكان مجموعة من الرواكيب الصغيرة المصنوعة من الحطب والشوالات والبروش، كانت تلك الرواكيب تحتل ركنا قصيا في قلب مدينة ودمدني في حي الموظفين في مساحة تقع كنقطة فاصلة بين موقف الحافلات وحي الموظفين بالقرب من مباني الجوازات وأقرب الي ميز الاطباء الواقع غرب موقف الحافلات الرئيسي في سوق مدني، في تلك الرواكيب الهيمنة لنساء بعضهن شابات نسبيا وبعضهن كبيرات في السن أمتهنٌ تجارة تقليدية وهي تجارة تؤمن احتياجات النساء من الطلح والشاف والبروش والنطع والحنة والمحلبية والبخور بانواعه والمباخر والمناقد والفنادك وعدة القهوة من شرقرات(جمع شرقرق) وقدايات (جمع قداية)وفناجين واواني الجبنة نفسها المصنوعة من الألمونيوم والصفيح والفخار بما في القلايات و والجبنة نفسها والليف وغيره، وهناك روائح وعطور سودانية تصنعها النسوة باقتدار بما في ذلك الدلكة والخمرة وغير ذلك، الي جانب ذلك هناك السمن البلدي والعسل وكثير من الادوية البلدية مثل القرض والحرجل والمحريب ، وهناك القفف والهبابات وعدة الجرتق كلها وحتي هلال العريس وود الطهور المصنوع من النحاس، المهم كان سوقا فريدا عامرا بزائراته من النسوة وتاجراته ، ولم يكن يخل من العنصر الرجالي، فقد كان هناك رجال يعملون في ذلك السوق في مهمة تكسير الحطب الذي كان جزءا من بضائع السوق ويقومون بتكسير الطلح والشاف أيضا، لذلك ربطتهم بالمكان وتاجراته صلات قوية وغريبة، اتذكر احدهم كان رجلا ضخما طويلا اسنانه بارزة مصفرة وفيه شئ من التخلف، اذا ضحك اهتز المكان وارتجف من لم يسمع ضحكته من قبل، كان طفلا اذا تحدث، طيب القلب ساذجا الي حد بعيد،كان صورة مجسمة للزين كما أورده الطيب صالح في عرسه، الاخر كان قصيرا ومتحدثا لبقا وشخصية قوية آمرة، لكنهما في العمل متساويان، وفي اللقمة بعد يوم عمل طويل واثنائه شريكان دائمان، واتذكر انني شاركتهما ذات مرة الطعام الذي كان لقمة بملاح ساحن اظنه كان ملاح شرموط، كنت أجئ الي ذلك السوق مع جدتي التي كانت تزود السوق بانتاجها فقد كانت ماهرة في صناعة القفف والبروش والمصالي الصغيرة والهبابات والبروش الملونة من السعف، وكانت تشتري حاجياتها من السوق نفسه وعلي رأسها السمن البلدي. كنت أرافقها في رحلتها تلك وانتهز فرصة انشغالها بالمساومة حول ما تريد بيعه وما تريد شرائه، فاتجول في كل ركن في السوق العجيب متابعا وراصدا ومنبهرا بكل شئ....كان ذلك السوق علامة من علامات عظمة شعب السودان في ذلك الزمان، كان سوقا عفيفا لاناس عفيفين منتجين مبدعين لا يعرف الرياء اليهم سبيلا، يأكلون حلالا ويقدسون العمل ويحترمون من يعمل، ولايركضون خلف المال الحرام والكسب السريع المشبوه، كان السوق يعكس احترام المجتمع للمرأة ومكانتها فيه، فقد كانت منتجة عاملة لاتلاحقها الكشات والتهم الباطلة وسوء الظن أينما ذهبت....
نفس ذلك السوق شهدته في الابيض في سوق ابو جهل وهو سوق نسائي بحت
ونفس ذلك السوق شهدته في مليط في دارفور قبل الحرب
وشهدته في الفاشر ايضا
وجه غاب في الزحام
(اليك في غيابك أعيد كتابة انبهاري)
مازلت اسيرا للدهشة في حضرة هذي الروح الشفيفة
التي تخترق روحي بقوة كالنسيم
كالشهقة
والزفير
أراك بخيالي كائنا من نور نبتت له أجنحة
لكنه لايطير
بل يصلي في خشوع
وكلما أطال السجود
بكي
فانفجرت الانهار والعيون
قبل خمسة عشر عاما
عرفت في مدينة ما فتاة صغيرةلم تبلغ العشرين
لكنها هائمة في ملكوت الشعر
رقيقة كفراشة
شفيفة كالبلور
خفيضة الصوت كأنها تخشي ان تجرح النسيم
تكتب شعرا يجندل من يقرأه ويشعره بالضآلة
كانت مفتونة بكتابات خجولة كنت اكتبها
ولم تدرك انني بت مفتونا بكل حرف خطته يدها
كانت أنثي فريدة في كل شئ
خفت من رقتها عليها
ومن دموعها الكثيرة التي لم أرها بعيني ولكنني سمعتها في صوتها في هاتف كان رسولا بيننا
وخفت من أعجابي بما تكتب
وبما هي عليه من صدق في الكتابة
صدق يجعلك تخاف عليها مما هي عليه في زمن فظ
فرقتنا الدنيا
لكنها بقيت بداخلي بصوتها الخفيض وعقلها الكبير
وروحها الشفيفة
في حضرة أحرفك
انبعثت صورتها من مرقدها
تمنيت لو انك التقيتيها.......
لم أقو علي السؤال عنها أبدا
فثمة شئ ما
يخيفني من السؤال!!!
ذكريات
كنا صغارا جدا، ولجنا الثانوي العام للتو بمدرسة فريني الثانوية العامة بحي المزاد حين اكتشفنا فجأة اننا مهمشون ومهملون ومفتري علينا من اخوتنا الكبار في حي 114 الشهير بالكمبو وبالأخص لاعبي فريق المشعل الذي كان آنذاك ممثل الحي الوحيد في الرابطة الجنوبية للناشئين التي كانت تضم فرق تنتمي الي احياء الحلة الجديدة والكمبو والمزاد وهي الرابطة التي زودت مدني وفرقها بابرز النجوم، كان فريق المشعل مكتظا بنجوم مميزين منهم احمد حربة ومحمد كورة واليسع حاج بليل وعثمان حاج بليل والمرحوم حسن شوة وعلي مرغني وازهري وحسن علوب وبهاء الدين رومينغا وآخرين، لم يك هناك متسع لنا معهم حتي في تمارين الفريق التي كان يحضرها اهل الحي كلهم فكان نصيبنا جمع الكرات فقط أو البقاء احتياطيا لاتمام النقص في التمرين، كنا نتوق للعب ونشعر ان لدينا ما نقدمه وكان من الصعب ان نقتحم تشكيلة المشعل قريبا، فقررنا تكوين فريق جديد سميناه المجد ووجدنا مساعدة من اداريين سابقين بالمشعل منهم ازهري حبيب نسي وصلاح حسن اضافة لمجهودات اول رئيس للفريق الفاتح عبد الوهاب عبد الحفيظ واول سكرتير الاخ فهمي حسن صالح، ذهبنا الي استوديو الحرية بالسوق الجديد وتصورنا وجمعنا الصور وذهبنا الي مكتب الناشئين بمركز الشباب بود ازرق حيث اكملنا اجراءات تسجيل المجد واجتمعنا ثانية في خور يشق حي 114 قبالة منزل ناس صلاح التوم وعماد التوم ابرز مهاجمي المجد فيما بعد وقررنا ان يكون الشعار اللون الاحمر بالازرق وجمعنا نقودا قليلة واشترينا ست فنايل مصرية بها مثلث في اسفل العنق من الاكشاك الواقعة بالسوق الكبير خلف مكتبة مضوي وبذلك الست كان ظهورنا الاول في الرابطة الجنوبية، كان ظهورا مبهرا حيث توالت انتصارات فريق المجد( الاولاد الصغار الذين تمردوا علي الدكة وفاتوا الكبار) وكان نصيب المشعل هزيمة نكراء برباعية منا في أول مواجهة في دوري الرابطة جعلت لقاءاتنا اللاحقة ديربي نار ينتظره الجميع، كان يقف خلف انجازات المجد مدرب مميز هو الراحل صلاح الشاذلي حارس اهلي مدني السابق واحد ابناء منطقة نوري الذين استقروا بالكمبو مع ناس خالته عليها الرحمة حاجة زكية والدة محمد عبد الغني محمد توم واخوته عبد العظيم وبكري، كان صلاح الشاذلي تلميذا نجيبا للكوتش سعد الطيب فنقل الي المجد اسلوب لعب الاهلي وطريقة الاهلي الجميلة في تناقل الكرة برشاقة الي ما لانهاية ففتن الناس بالمجد ولقبوه ببرازيل الرابطة الجنوبية، وكان من نجوم المجد الحارس ناجي حسن محمد صالح الذي بات حارس الاهلي فيما بعد وشهرته تشتش وشخصي الضعيف ايضا في حراسة المرمي ولعبت فيما بعد بفريق الثوار وهناك لاعب الوسط الرهيب محجوب كرفون الذي لعب فيما بعد للنهضة وهناك احمودي لاعب الوسط المدافع الذي لعب بالثوار ثم النيل، وهناك صلاح التوم وصلاح قيلي نجما التضامن والمرحوم عمر الجون في الحراسة ومحم زامبيا المهاجم الذي لعب بالرابطة والمهاجم بدر ترة مهاجم الاتحاد مدني الشهير وهناك المدافع ضياءالدين شجر الذي لعب بالاصلاح وعادل الثعلب الذي اصبح صخرة دفاع الاتحاد مدني
وكذلك المرحوم حسون نجم الاتحاد مدني فيما بعد وشقيقه عبد ربو والمرحوم بشير الطاهر ، كانت فرقة المجد اضافة حقيقية للرابطة الجنوبية حتي انه تصدر البطولة ومثل الرابطة في بطولة الروابط وكانت له صولات وجولات، وعلي نطاق الحي تحول التنافس الحاد مع المشعل الي محبة متبادلة واحتل الفريقان نادي الحي وتقاسماه وبات النادي شعلة من النشاط الذي يرجع الفضل فيه الي شباب الفريقين ،كانت فرق الرابطة الجنوبية كلها مميزة فهناك فريق شباب المزاد والوادي المتجاوران اللذان يضمان ابناء المزاد المتاخم للحلة الجديدة وهناك فريق نجوم المزاد ومقره منطقة نادي الدفاع وهو مصنع نجوم كبيرة منها سقد والنقر وبدر حديدة وعلم والشاعر وهناك الطلائع ومقره المزاد القديم جوار مدرسة الهوارة وهناك فريق قلب الاسد الذي تخرج منه هجو وجمال نجما الاهلي مدني وهو فريق الحلة الجديدة الوحيد حتي بروز فريق السهم الذهبي الذي اسسه النور الفلاتي ذلك الرجل المحب لكرة القدم والذي كان له دور كبير في ترقية الرياضة بمدني فذلك الفريق ابرز نجوما كبيرة منها الفاضل جبريل الشهير بالفاضل ودعة او كرشو نجم الاتحاد مدني وسبب تسميته الفاضل ودعة انه كان يلعب بجزمة بيضاء من البلاستيك اشتهرت بانها ودعة لانها تشبه الودع فعلا والفاضل رجل محترم ومحبوب اينما حل شهد الناس له بطيب المعشر وانه فلتة كروية وكذلك برز الفلتة جهاد الطاهر نجم الدفاع في فريق السهم الذهبي وهناك فريق ابناء كوري ايضا وهو فريق منطقة من مناطق الشايقية بمحلية مروي. كان دوري الروابط منجما حقيقا للنجوم واتذكر من النجوم الذين لعبنا ضدهم كابتن منتصر الزاكي والمرحوم منير استيف وفيصل بوكش الذين كانوا يلعبون في فريقي الامل والجهاد بدردق وبيننا وبينهم مواجهات دائمة وكذلك جمعة نجم النيل مدني الذي كان يلعب للثغر شندي فوق وهناك ناس نجوم جبرونا وفريق اخر كان بود ازرق يسمي البحيرية ونجوم بانت وفريق الجيل السكة حديد
....كان زمنا باهيا زاهيا، انتقلنا منه الي دوري الثالثة في مدني وكان دوري مولع نار وله جمهوره الخاص الذي لايغشي دوري الاضواء ابدا مكتفيا بنجوم الشمس الحارة، وهو جمهور طريف جدا وصاحب نكتة، لعبت في الثوار بصحبة طارق تكل وفقيري وحجزي ونورالدين عبد المجيد وكابتن حيدر حامد وحسن الطيب وحسن ضرس وعادل عثمان وابوعبيدة محمد محمود وعمر عباس الشهير بتليس واحمودي زميلي في فريق المجد 114 ويحي المهاجم اللعاب والمرحوم محمد خير الجناج الايسر المزعج للخصوم ولعب معنا عماد عبد العزيز العمدة بعد عودته من المريخ وتولي تدريب الفريق كل من المرحوم ابوليلي والمرحوم مجد الدين سنهوري وفوزي الطيب . ساهمت في صعود الفريق الي الثانية وتوقفت عن اللعب عند ولوج الجامعة عام 1983. ولازالت تربطني علاقات طيبة باهل فريق الثوار وهم اسرة جميلة مترابطة.
حين غنى وردى ومحمد الأمين في حفلة عرس
كان زواج العازف عبد الرحمن عبدالله من الاستاذة عائشة حسين شقيقة دفعتنا وصديقنا خالد حسين بحي الدرجة جوار مدرسة الليثي بنات حدثا فريدا لن تنساه ذاكرة المدينة ابدا، فالعريس كان عازفا كبيرا ومهما باوركسترا الاذاعة وهو ضمن عازفي وردي ومحمد الأمين وكان له نشاط سياسي جعله يعاني الاعتقال لفترات طويلة ، كان ذلك في عهد النميري ، وكانت العروس مضطرة للانتظار فيما يبدو، وحين خرج الرجل وقررا الزواج، كان ذلك الزواج حدثا احتشد فيه الناس من كل مكان، واحتشد الفنانين والعازفين احتشادا غير مسبوق احتفاء بالعريس، كانت ليلة العرس مظاهرة ثقافية صاخبة، كان الحدث الأكبر الذي احتل ذاكرتي وذاكرة المدينة حين صعد العملاقان محمد وردي ومحمد الأمين وصدحا لأول مرة سويا برائعة وردي نور العين ، بللت الدموع العيون وصوت محمد الأمين الغليظ القوي يجاور صوت وردي صادحا بنور العين ملبسا اياها زيا جديدا لم يألفه الناس، وردي نفسه غناها كأنه يغنيها أول مرة، أما الناس فكانوا يستمعون في خشوع من يؤدي صلاة، كانت ليلة لاتنسي أبداً.
No comments:
Post a Comment
شكرا علي المشاركة والتواصل