Friday, May 29, 2015

(أيام دارفور) /(5) مليط ( ملامح مدينة غارقة في الرمال)




لايتصور احد من اهلنا في شمال السودان ان تكون مليط  غارقة هى وبيوتها الطينية والتى من القش في وسط تلال من الرمال مثل ابوهشيم العزيزةوغيرها من قرى شمال السودان الواقعة في مناطق تجمع بين النيل والصحراء ، كنت اظن (مليط )مثل (الفاشر ) التى يتوسطها (رهد تندلتى) _الذى  حملت منه اسمها القديم _والذى بات يسمى حاليا (النقعة) مدينة طينية الملامح تحيطها جبال سوداء ولارمال فيها، لكننى وجدت مليط غارقة في الرمال ولها مايشبه النهر الصغير في وسطها،وهو ودايها الموازى لنهر النيل هناك، دخلنا (مليط )عبر مدخل صخرى ولكننا فوجئنا بعده ببيوت  صغيرة غارقة في الرمال، بدا ذلك انتقالا مدهشاً، وقفت العربة امام دار فسيحة انيقة مطلية من الخارج وهى مبنية فوق ربوة عالية قبالة مستشفى مليط وفي مواجهة وادى مليط ، كانت تلك الدار  هى منزل القاضي المقيم الذى سكنت فيه عامين مرا كلمح البرق، كان البيت مميزاً كأميرة بين وصيفاتها، فهو يبدو  وسط البيوت الصغيرة المحيطة به وتلال الرمال التى تحيط به من كل الجهات مثل اسد رابض في خيلاء وهو يتأمل مملكته من علَ، أمام البيت  قبالة بابه الصغير كان ثمة شجرة لالوب عملاقة فروعها اعلى من سور الدار وأعلى من سقف غرفة ملاصقة للباب هى مطبخ البيت، وهناك باب آخر كبير في الجانب الاخر من البيت جواره غرفة أخرى هى التى تحتضن بابورا صغيرا يعرف بماركته(الليستر) يستخدم في توليد الكهرباء  للبيت( فمليط ليس بها شبكة كهرباء)،وامام البيت المح صبية صغار يقودون حمير نحيلة ترفع اقدامها الصغيرة بصعوبة من الرمال وهى تئن بحمولتها من المياه المعبأة في (خروج) مصنوعةمن الجلد ، فمدينة مليط ليست بها شبكة مياه ، يشرب الناس من مصدرين للمياه( الخزان) وهى مياه المطر المحبوسة في وادى مليط بواسطة خزانها الصغير، المصدر الثانى ابار قندول عند منتصف الوادى قبالة غرونا احد احياء مليط وتقوم عربة فنطاز تتبع لشرطة الجمارك آنذاك بتوزيع تلك المياه ويشاطرها  باعة الماء من اصحاب الحمير مهمة التوزيع.كنا نسمى فنطاز الجمارك( هئية توفير المياه) على سبيل التندر، لكن عندما يغيب احمل براميل البلاستيك الزرقاء على ظهر العربة اللاندكرور واعبر الوادى الى حيث ابار قندول حيث تصطف الحمير والاغنام والسيارات والبشر  لأخذ حاجتهم من الماء، وأعود حاملا حصة لن تدوم سوى ايام قليلة ثم أعود ثانية. وكان السائق فخرى يكفينى مؤونة هذه الرحلة في أغلب الاحيان مستعينا ببعض شباب شرطة المحكمة . كان جارى الملاصق ضابطا اداريا بمحلية مليط يدعى مدين وهو من ابناء جنوب السودان المسلمين، الجار الثالث كان معلما وفنانا تشكيليا من ابناء قبيلة البرتى كبري قبائل منطقة مليط ، كان اسمه (جارا) وكان بيته الصغير بستانا اخضرا ومتحفا عامرا بالمصنوعات الفلكلورية واللوحات من رسمه وتصميمه وخطه الجميل، كان البيت مصنعا للجمال. وكان الرجل نفسه مثقفا استثنائيا يحاكى الحديقة في تنوع مواهبه ومعارفه . فقد كان رساما ومصمما وكاتبا ومؤرخا مدققا يجمع تاريخ المنطقة والقبيلة بدقة وأناة يحسد عليها. وكان صاحب مدرسة خاصة فريدة الملامح . وشيئا فشيئا بدأت اكتشف الذهب لمطمور في رمال مليط الغارقة نهاراً وليلاً في الرمال ، والغارقة ليلاً في الظلام.

No comments:

Post a Comment

شكرا علي المشاركة والتواصل