Sunday, May 24, 2015

ايام في دارفور(3)(الطريق الى مليط):



تقع مدينة مليط شمال الفاشر عاصمة ولاية شمال دافور، تبعد مسيرة ستة وخمسين كيلو مترا من الفاشر، يربطها بها طريق ترابي رملي غير مسفلت  وهو طريق متعرج  تتتخله جبال صغيرة متفرقة اشهرها جبلا (كلو) و(كلويات) عند مشارف مدينة مليط.في صباح جميل في اليوم الثانى عشر من شهر سبتمبر العام 1999 يممنا صوب مليط بعربة لاندكروزر قديمة موديل 1978 (  كانت سائدة في عربات القضائىة هناك  بسبب وعورة الطرق كنا نسميها  باللاند كرور سخرية وتندرا) وكان يقودها سائق شاب صغير في السن من ابناء مليط  يدعى فخرالدين هو سائق عربتى طوال عملى بمحكمة مليط(1999_ 2001 )، كان شابا في نهاية العشرينات ، متجهم الوجه دوما، ومعتدا بنفسه اعتدادا ظاهرا، قليل الكلام، لكنه خبير بالطريق وجيد في قيادته ،كنت متجها لمقر عملى الجديد كقاضى مقيم يتولي اعباء القضاء والنيابة وحيدا في منطقة كبيرة تمتد من حدود مدينة مليط حتى آخر نقطة في حدود ولاية شمال مع الولاية الشمالية و ليبيا،ويشمل ذلك مدينة الكومة حاضرة قبيلة الزيادية ومدينة الصياح حاضرة قبيلةالبرتى الثانية بعد مليط و مدينتا(مدو) والمالحة حاضرتا قبيلة الميدوب، وهناك مدن صغيرة وقري عديدة أخرى بالمنطقة ذات الطابع الرعوى الزراعي البسيط، وكانت منطقة مليط كلها في ذلك الزمن تتبع لمحافظة الفاشر ولم تكن قد باتت محلية مستقلة بعد.كانت فتنة دارفور الكبرى لم تشتعل بعد، ولم يكن ثمة خطر بالطريق سوى النهب المسلح الذى كان منتشرا في الطرق بين المدن. خلال اقامتنا القصيرة بالفاشر سمعنا الكثير من القصص عن حوادث النهب المسلح وسمعنا في المقابل الكثير من القصص المطمئنة  عن سلامة الطريق ، وسمعت من السائق الصموت بعض القصص عن حوادث النهب وعن ثقافة السفر دون اعلان مسبق عن مواعيده، وعن تجنب حمل العساكر بزيهم الرسمى لأنهم جاذبون لعصابات النهب، المهم توكلنا على الله وتحركنا انا وزوجتى وطبقنا الراحل معنا من شندى الى الخرطوم الفاشر مليط وشنطة ملابس متوسطة واحلام عريضة بالامن والامان وسلامة الوصول والعودة، تحركنا مع سائقنا الشاب ، كانت الأرض مغطاة ببساط اخضر جميل، الطريق خال كاننا نسافر وحدنا فيم عدا سيارات محملة بالناس والبضائع تقابلنا بصورة متقطعة حتى بلغنا منطقة تعرف ب(ام مراحيك) وهى منطقة جميلة تمثل استراحة للمسافرين وهى عامرة بمنتوجات محلية ومشروبات واطعمة. وفيها تستريح الاعصاب من توتر الطريق ووحشته  . ولن أنسي تلكما الشجرتان في الطريق بعد ام مراحيك في الطريق الى مليط  حيث تبرز امرأتان عجوزتان من العدم لتطلبا احسانا من العابرين وتتركا كثيرا من الاسئلة حول بروزهما من العدم في تلك المنطقة القاحلة بذلك العود النحيل لكل منهما .كانت الرحلة بذرة محبة اولى للمكان وأهله.

No comments:

Post a Comment

شكرا علي المشاركة والتواصل