وجه أبي طفولى الملامح ذكرنى بك يا أمي
الألم علي وجهه يستدعي صورتك من الذاكرة
فيتوهج المكان بك كغابة مظلمة غشاها برق فجعل ليلها نهارا
يغيب الألم عن وجه أبي ويتفرس في الملامح القادمة من أعماق الذاكرة
فتجئ الابتسامة وتحل الطمأنينة علي وجهه المتغضن
يحادثك كأنه يراك
وكأن الأيام الخوالي قد عادت
وكأن رحيلك الي الضفة الأخري لم يك سوي كذبة بيضاء
يتوهج وجهه ويضئ
فيتوهج المكان كله ويضئ
يجئ صوتك من مكان ما
متبوعا بضحكتك الباسمة التي لاصوت لها
تلمع سنك الذهبية الوحيدة التي تتوسط الأسنان
مثل ملكة وسط الوصيفات
تتوهج كقمر مكتمل علي صفحة سماء مرصعة بالنجوم
أعترف الآن يا أبي أن أمي منذ رحلت تأتيني كثيرا في الأحلام
تارة مبتسمة وراضية
وتارة صامتة واجمة
وتارة شبحا غامضا
لكنني أعرف بطريقة ما أنها هي
أعرف أنها تستغيث حينا
وأن قلبها الكبير يتوجع في صمت حين يتوجع واحد منا
كما ظلت تفعل طوال حياتها القصيرة الحافلة
أصحو مفزوعا خائر القوي
أصلي وأبكي بلا أنقطاع
أسأل نفسي عن مغزي حضورها في المنام
أنتظر شروق شمس
أهاتف أخي
فيبتسم صوته في الهاتف ويفاجئني بسؤال
( زارتك بثيابها البيضاء في المنام؟! لم تقل شيئا ومضت ، أليس كذلك)
( زارتك بثيابها البيضاء في المنام؟! لم تقل شيئا ومضت ، أليس كذلك)
(أرتجف بردا واقول بحماس( نعم ...نعم....
أعرف أنها تشتاقنا
أعرف أنها تحتاجنا
أعرف أن روحها تسكننا وتسكن كل الفضاءات وكل الأحلام
أعرف ياأبي أنها تحلق هنا في سماء هذه الغرفة الصغيرة
حيث تعثرت ذات ظلمة وحدث لك ذلك الكسر الصغير
أعرف أنها تألمت معك كثيرا
وأن دموعها سالت
فبللت أرضية الغرفة حتي باتت الغرفة نهرا
والسرير مهدا تحفه الأزهار والعصافير
أعرف أن روحها ظلت ترفرف في المكان كحمامة
وأنها رافقتك في رحلة الإستشفاء
من البيت الي المشفي
ومن المشفي الي البيت
أكاد أراها رافلة في ثياب الحكيمات البيضاء
وهي تحوم حولك
تقيس نبضك
وتمسح حبة عرق من علي الجبهة
وتفرش أغطية نظيفة
تعطي الورد جرعة ماء
والزائرين ابتسامة
أراها تقف بالباب
تنحني للقادمين للاطمئنان عليك
تتصفح الوجوه بمحبة وحسرة
كونهم لايرونها مثلما تراهم
ولاتستطيع الترحيب بهم كما كانت تفعل طوال حياتها
أراك تبتسم برغم الألم
تغدو طفلا في لحظات
ما أجملك أبي حين تذكرها وحين يكتسي وجهك بمحبتها
وماأجملها وهي حاضرة في غيابها وحضورها
أعرف أنها تتفرس فينا واحدا واحدا وتتابعنا ببصرها وقلبها ونحن نحوم حولك مثما يحوم الفراش حول حقل من الزهور
أراها تبتسم من القلب حين تري الأولاد يقبلون جبهتك
والبنات جالسات عند قدميك
وهن يباشرن تدليك أصابع قدميك النبيلة بلطف ومحبة
أراها بخيالي تسرح خصلة شعرها الجميلة وتسدل الثوب فوقها
وجبهتها الوضئية تلتمع
هاهي الان واقفة في خشوع تصلي بكل حواسها
في ركن من الغرفة..
هاهي تسجد وتعفر جبهتها
فيسجد الجدار معها
ويسجد دولاب الملابس معها
تنهض فينهض الكون معها
وتهمس انت بصوتك الخافت
( الدولاب يسجد للمرة الخامسة...كل شئ يسجد ويستوي واقفا ، ثم يسجد.....)
( الدولاب يسجد للمرة الخامسة...كل شئ يسجد ويستوي واقفا ، ثم يسجد.....)
لايفهمون شئيا من حديثك الغريب
فهم لايرون ما تري
تدرك ذلك "أخيرا فتكف عن الكلام
وتغيب في الصمت....
تسلم أمي، تلتفت نحوك باسمة وهي تطوي مصلاتها الصغيرة،
تسألك ماذا كنت تقول لها، تنظر في عينيك
فتري ما أردت ان تقول
فتبتسم......ويبتسم المكان
صلاح الدين سر الختم علي
مروي
يوليو/7/ 2013
No comments:
Post a Comment
شكرا علي المشاركة والتواصل