حيدر قطامة أوشمشون افريقيا
من الشخصيات التي شكلت ظاهرة مهمة وفريدة في مدني عدة شخصيات تنتمي لمثلث صغير في مدني قرب النهر منهم ود النقاش السباح ومنهم حيدر حسين الشهير بحيدر قطامة ومنهم جمال حامد وود الفتلي السباح الماهر وجميعهم ابناء منطقة ام سويقو، حيدر حسين كان مهتما منذ النشأة الاولي برياضة كمال الاجسام والاستعراضات الخاصة بالعاب الجمباز واشتهر باستعراضاته التي كون لها فرقة شهيرة من ابناء منطقته وهي من اعرق مناطق مدني ولم تمر مناسبة رياضية او قومية بمدني لم يكن حيدر حسين ومجموعته طرفا في حفل افتتاحها او ختامها في السبغينات والثمانيات ...الدورات المدرسية والمباريات التنافسية واعياد الثورة والشباب وغيرها كلها كان لفرقته فقرة فيها.... ياتي عاري الظهر و الاقدام يلمع جسده ويقدم استعراضات القوة الشهيرة ويجر الاحمال الثقيلة ويحمل اصلة تلتمع وتتلوي حوله ...وفرقة الجمباز تقدم عروضها المبهرة والجماهير تحي شمشون الجبار الذي يستعرض العضلات ... كنت اتساءل دائما من اين اتي الرجل بالفكرة؟ من اين ياتي بتلك القدرة علي الاستمرار واجتذاب الشباب الي فرقته والي مشاهدة عروضه.... وكنت افسح الطريق رعبا عندما اراه امامي يمشي بين الناس ويرتاد دار الرياضة والمولد ومطاعم الفول في المدينة....كنت احسبه ساحرا بحق منذ الطفولة عندما شهدت عروضه البسيطة المثيرة... ثم كبرت وعرفت الرجل وفرقته واستمعت اليه وادركت انها وسيلة صعبة لكسب العيش....وكان من افراد فرقته ابرونجة حارس مرمي فريق الثوار الذي لعبت فيه في ذات الخانة.
عرفته رجلا طيبا حد البساطة ابيض القلب حد السذاجة مرحا كطفل ووديعا كحقل....واقصد كلمة حقل فالحقل وداعته قدرةعطاء غير محدود والحمل وداعته عجز وغباء....كان حيدر عليه الرحمة بسيطا جدا وعاني في اخريات ايامه من وهن نجم عن حادث سير مشؤوم اخذ يده احد مصادر قوته وبات شمشون الجزيرة يعاني حتي رحيله الفاجع...
ومن الاشياء الفريدة المرتبطة بحيدر قطامة الأصلة التي كان يستخدمها في عروضه ويسميها حياة وكان يحتفظ بها في صندوق خشبي وعندما توفى كسرت حياة صندوقها واتجهت صوب النيل القريب من مسكن حيدر واختفت للأبد
أجنبية ولكن؟
اشتاق ودمدني كثيرا...... احن الي طوطحانيات العيد في القبة وسوق بانت
اشتاق التمشي في شارع النيل
وطعم الزونيا التي كانت تتساقط من اشجارها المحيطة بجنينة سليمان وقيع الله احاطة السوار بالمعصم
واشتاق الي الفرجة علي القرود الشقية في غابة امبارونا المزدحمة في الاعياد
اشتاق الي السينمات المزدحمة وصفير جمهورها حين يتأخر بدء الفيلم
اشتاق المحطة التي كانت تموج بالحركة والقطارات الرائحة والغادية
واتذكر تلك الاوربية ذات الوجه المتعب التي التقيتها بالمحطة مسافرة علي قطار توقف بمدني وكنت عائدا من السينما
صغيرا مازلت طالبا بالثانوية العامة..... ابتسمت في وجهي وحيتني بلطف فرددت التحية بأحسن منها واستعرضت انجليزية بكرا
كنت اتباهي بها فكست الدهشة وجهها
تحادثنا وقلت لها بثقة من قرأ كتابا جديدا: انا اكره الراسمالية واحب الاشتراكية.... هزت رأسها بأسي وقالت بشرود: مازلت صغيرا كي تفهم
لكن الاشتراكية وهم كبير... غضبت وساد صمت .... ثم غابت في الزحام ومازلت اذكر وجهها المتعب ونبرتها الواثقة الحزينة
وحين سقطت الاشتراكية بعد ذلك بسنوات عديدة في معاقلها كلها وانتهت الفتنة بها تذكرتها وهى تقول بحنو ما زلت صغيرا كي تفهم ذلك
بانت ذلك الجمال وتلك الحياة.........
بانت عاشت فيها أنثي اختطفت قلبي وهولايزال صغيرا علي الحب
كنت اختلق الاعذار لاذهب في صحبة اختي رفيقتها في الدراسة اليهم
كانت تملك اوسع عينان وقعت عليهما عيناي وكانت ذات ابتسامة حلوة دائمة مثل الفرح في مدني في ذلك الزمان
وحين كبرت وصرت اقرأ الشعر خلسة وجهرا كنت اتذكرها وتأتيني صورة وجهها البسام كلما وقعت عيني علي كلمة (براءة)
لم تكن البراءة اسمها بل وصفها
كنت صغيرا حين احببتها
كانت في الرابعة عشر وكنت اصغرها بعام وحيد
اين انت الان؟ اين مني كل ذلك الجمال؟
اما شجرة الخانجي فتذكرني الشهيد الخانجي الذي قتل برصاص الجيش في اليوم العاشر من يناير 1982
حين كانت المدينة باسرها تشيع طه يوسف عبيد الذي قتل برصاص ذات القوة العسكرية جوار كلية المعلمات صباحا
وقتل الخانجي جوار ورشة 114 ظهرا
كان يوما للرصاص المنهمر علي العزل ويوما للحقد الاعمي
ساعود له واجكي عنه وكيف نحروا طه بالرصاص واصابني رشاش دمه الطاهر
بانت بها عبد الرحمن تاشي حلاق المدينة ومحبوب الرياضيين
ومن لايعرفه؟
ومن لايعرف سمير الترزي جار تاشي
تصوروا ان يتجاور الحلاق والترزي في دكانين ملحقين بالجامع في سوق بانت
سمير ذلك الترزي الافرنجي الماهر الذي اشتهر بحباله الطويلة اي عدم انظباطه فيما يتعلق بالمواعيد
ولكن اهل مدني ووجهائهها يغفرون له ذلك في سبيل الحصول علي شرف ارتداء بدلةاو بنطلون او لبسة خاطتها اياديه فقد كان ماهرا
وفي سوق بانت كان العجلاتية معلما بارزا اخرا
كانت العجلات اكتشافا جديدا ساحرا للتلاميذ
وكان استئجار العجلة بالساعة وياويل من يتأخر علي العجلاتي
واتذكر عربات الدندرمةالمتجولة في المدينة
وعبد اللطيف بائع الحلوي والصحف
وزحمة المولد في ميدان بانت
المراجيح
النوبات التي تئن وترن
الدراويش بجلاليبهم الخضر
الطار والمداح
البنات الجائلات مع اهلهن
العرائس والاحصنة المصنوعة من الحلوي
باعة الساندويتشات في المولد
السمسمية اللذيذة
طعم الجوز والهريسة التي تذوب في الفم
احصنة السواري
........يا له من جمال
يا لها من ايام
.... لا ادري لماذا تذكرت وجه ذلك الدنقلاوي الذي كان يعمل في السكة حديد وكان يقاسمنا السكن في بيت الايجار في حي البيان
كان نقابيا وحدث في طفولتنا الباكرة ان جاءت قوة مدججة بالسلاح لاعتقاله
كنت صغيرا فتملكني رعب سرعان ما زال حين خرج جارنا الطيب من بيته مرفوع الرأس واعتلي عربة معتقليه بثبات بينما صوت زوجته ذات العربي المكسر
يرن في اذني بقوة وهي تنهر المتفرجين قائلة: مالا؟؟؟(تقصد زوجها) سرقت ولا كتلت؟ ما راجل....
حينها خجلت من خوفي امام بسالتها تلك...............................اين انت يا حسن ساتي الدنقلاوي الجميل يا تري الان؟
رمضان في الكمبو
الكمبو أو حي 114 بمدني من الاحياء النادرة..... ومن اجمل الشهور فيه شهر رمضان المعظم...
الحي حي عمالي يضم بين دفتيه السودان كله بكل ذلك التنوع... البيوت صغيرةومبنية بشكل واحد مع اختلافات طفيفة يعرفها اهل الحي
مثل الاختلاف بين الدبل والفرادي من البيوت الدبل اوسع قليلا من الفرادي واكبر مساحة قليلا وبه غرفتا ن كبيرتان تتوسطهما برندة تبدو كأنها غرفة ثالثة
وهناك حمام داخلي فسيح بخلاف الحمام الاخر عند المدخل الذي يخصص للاغراب والرجال عادة وهناك مطبخ مستقل عن الغرفتين والبرندة وتكون امامه
مساحة تشيد عليها راكوبة او برندة اخري يتوسع فيها اهل الدار نهارا وصيفا، اما الفرادي فهو عبارة عن غرفتين ملتصقتين بلا برندة فاصلة وانما توجد
مظلة صغيرة من الزنك امام الباب هي دون البرندة وليست غرفةولكنها واجهة الدار وهناك ادبخانة وحيدة في ركن الدار اما الحمام فلا يوجد ولكنه
يستحدث بالزنك بجوار الادبخانة وهناك مطبخ صغير جدا عرضه اقل من المتر وطوله متران او اقل وسقفه منخفض يقف وحيدا مقابلا للغرفتين .
وفي الغالب يقوم ساكني الفرادي بعمل راكوبة من القش والحطب للتوسعة او بناء برندة اضافية او بناء غرفة اضافية وذلك حسب الحاجة والمقدرة.
عدا ذلك فالبيوت متشابهة تماما وهي مبنية من الطوب الاحمر ومسقوفة بالزنك ومتساوية المساحة ويتم صيانتها سنويا خاصة الابواب والشبابيك
الخشبية والنملي الذي يغطيها وتوفر المؤسسة في كل عام قبل الخريف اكواما من التراب الجيد لرفعه فوق روؤس البيوت الصغيرة تحسبا للخريف
الطويل القاسي ويقوم الساكنين باعمال رفع التراب بانفسهم وغالبا يكون ذلك نفيرا من نصيب الشباب لان الاباء بالخلاء البعيد في معسكرات العمل
.وقد كان لنا نصيب وافرمن ذلك النفير الدائم. اعود الي شهر رمضان في الكمبو فقد اعتاد اهل الكمبو علي الخروج بافطارهم الي الشارع رجالا واطفالا
وشبابا وافتراش الارض علي البروش المصنوعة من السعف والافطار واداء الصلاة جماعة.... تخرج كواري الطلس الملونةمعبأة بالابري الاحمر والابيض
والقمردين والليمون والبرتقال والجوافة والمنقة وبعضهم يحضر الجكوك الزجاجية وهناك اقراص القراصة الساخنة واللقمة وانواع الملاح السوداني المختلفة
وابرزها ملاح الروب الابيض والاسمر( البيج) علي حد قول الحنكوشة في النكتة.... وهناك صحون البليلة وهي انواع بليلة العيش والبليلة الاخري الجميلة(العدسية) ا
التي تتميز بلون بني جميل وهناك الحمص أو الكبكبي في قولنا نحن اهل السودان.... كان الافطار الرمضاني مهرجانا للحياة والجمال الانساني،
يحضر الرجل مائدته كيفما اتفق دون تكلف او تظاهر ويجلس اينما اراد ويأكل هو واولاده من اي مائدة تعجبه ويتبادل الناس الصحون وانواع الطعام والشراب
ويتجاذبون الحديث بمحبة وتتفنن النسوة في ابراز قدراتهن في الطبخ وتقديم العصائر... ويتكامل الناس في المائدة الرمضانية المفتوحة علي الشارع
ويفرحون اذا افلحوا في اصطياد عابر سبيل ودعوه للافطار معهم ... وكان ذلك هدف اساسي لهذه المائدة الرائعة ... كنا نعرف البيت الذي تخرج منه القراصة
المجيهة وملاحها الخطير والبيت الذي تخرج منه سلطة الروب البديعة ونظل نتنقل في المائدةونبحث كالفراش دون حرج او خجل فالبيوت جميعها تغدو بيتا
واحدا ولا احد يجلب مائدته ويكتفي بها ... كان تقليدا جميلا وعظيما .... وكان الحي بتمييزه منجما للجمال والتلاقح الجميل. لهذا تظل روحي علي الدوام
مشتهية ودمدني وذلك الحي الجميل
من حكايات الكمبو ... احزان ليلة الدخلة
كانت بنتا جميلة
من اسرة من الاسر القادمة من شمال السودان...ا
لاب عامل بالمؤسسة والام جميلة ومعروفة لدي النسوة
حتي طغي اسمها علي اسم الرجل حتي صارت العائلة
تعرف باسمها فيقال ود ...... ويقال بنت ......
كانوا بنتين ووولدين احدهما لم نره مطلقا لانه كان بحارا تائها في بلاد الدنيا ولم تبق الاسيرته هنا
البنت الكبري تزوجت قريبا للاسرة وانتقلت معه الي العراق
بقيت بطلتنا وحيدة مع الام والاب والاخ
تقدم اليها قريب لها وانتظم الحي كله في اجراءات الزواج فالزواج في الكمبو ملك للاسرة الكبيرة تتشارك فيه كأنها اسرة واحدة
نصب الصيوان بواسطة اولاد الحي بعد احضاره من الجمعية الخيرية ففي الكمبو كل شئ خاضع للتكافل والنفير.
اسرعت النساء والبنات زرافات ووحدانا الي بيت العرس
وتجمع الشبان بذرائع مختلفة امام الدار لغرض ظاهر هو المشاركة واغراض خفية هي الرؤية وتبادل التحايا مع حسان الحي
توافد الناس وانطلقت القهقهات الصافية من افوه الرجال والزغاريد من افواه النساء
كانت الام مريضة وطريحة الفراش
ذهبت العروس الي مصفف الشعر والاستديو مع عريسها لتستعد لليلة العمر النفيسة
وخرجت البنات لارتداء ملابس السهرة وكان الكمبو موعودا بحفل بهيج يضاف الي رصيد افراحه البهية
تدهورت صحة الام فجأة
اسلمت الروح قبل عودة البنت العروس من مصفف الشعر
وجم الناس
توقفت الزغاريد وساد صمت
اختلط القادمين لللعزاء بالقادمين للتهنئة
كان المصفف يصفف شعر العروس
وفي الدار كان الاقارب والجيران يباشرون اجراءات الاعداد للمواراة الاخيرة للأم
وحين توقفت العربة التي تحمل العريس والعروس لم يزغرد احد
تم تغيير الاتجاه الي منزل مجاور
حتي يتم ابلاغ العروس بالخبر الفاجع
انطلقت صرختها وجاءت تركض بفستان الفرح الابيض لتلقي علي الأم نظرة وداع اخيرة
ونام الكمبو حزينا.
باتريس الجميل و الرحيل قسرا
هذه حكاية اخري من حكايات الكمبو، بطل الحكاية أحد العزاب من أبناء الكمبو... كان ضحم الجثة مفتول العضلات ولكن قلبه كان أبيضا كالحليب .. كان يسكن قسما من الحي نسميه العنابر لان من يسكنون فيه عزاب.. لكن الكمبو كان فريدا حتي في معاملة عزابه فقد باتوا جزءا لايتجزأمن الحي يشاركون اهله افراحهم واتراحهم ولا ينظر الناس اليهم نظرة الأسر الي العزاب بل نظرة الاسرة الي ابنائها... كانوا علي خلق قويم ، كان باتريس من أميزهم و كنا نهابه ونفسح الطريق تحاشيا له في البدء ثم زال ذلك الانطباع بفضل تلك الابتسامة الدائمة وتلك المحبة من الكبار...لم نعرف له أهلا او أسرة سوي الكمبو وكنا نسمع من الكبار انه ماهر في عمله( خراطا )لايجاري ... وكنا نراه دائما في مباريات الكرة والتمارين ضيفا لايغيب ...ظهرت موجة الهجرة الي الخليج والعراق وكان نصيبه الهجرة الي العراق التي كانت قصص العائدين منها تسيل لعاب الطامحين في الهجرة... اختفي باتريس من أزقة الكمبو وبقي مكانه في ملعب الحي بين المتفرجين شاغرا.... غابت سيرته شئيا فشيئا وطواه النسيان أو كاد حين تفجرت فجأة الحرب بين العراق وايران... تسربت انباء عن اصابته اصابة خطيرة وانباء اخري عن وقوعه هو وأحد ابناء الكمبو المغتربين بالعراق في أسر القوات الايرانية....... ظلت الاخبار شحيحة متضاربة.... خفتت السيرة... عاد زميله في الأسر من الأسر مع فوج اطلق سراحه بمفاوضات مع حكومة الصادق المهدي واحتفل الكمبو بالعودة لكن الفرحة كانت ناقصة ...و لم يعد باتريس.... تأكد وقوعه بالأسر وتعرضه لأهوال يشيب لها الولدان تحت وطأة اعتقاد انه من المقاتلين الي جانب العراق وما دروا انهم امام عامل بسيط جاء باحثا عن دفء النقود الخليجية فوقع في جحيم حرب لم يكن طرفا فيها وكان ابرز ضحاياها... عاد ذلك العملاق هيكلا عظميا لايقوي علي السير الي وطنه وقد انطفأ بعينيه البريق....للحكاية بقية ربما يصعب علي اكمالها؟
................... غاب صاحب القلب الكبير الطفل الكبير ... الرجل الضحم الجميل............ صمتت العصافير بالكمبو ومازالت صامتة ومازال مقعده بميدان الحي يفتش عن صاحبه عصر كل يوم........ ومازال بعض ابناء الكمبو المغتربين يسألون عن الغائب ولا أحد يقوي علي الاجابة........... ومازال حيا بقلوبنا......... لكنه قد رحل عن دنيانا الفانية.
أنشودة الجمال النائم
كانت لا تدري.........
كانت جميلة الجميلات في مدني ولا تدري
تبتسم ابتسامتها الوديعة فتزغرد العصافير في الشوارع
وتترك الازهار الخميلة طائعة وتتوسد جيدها الصغيرا
كانت حين تمشي في الشوارع تمد الاسوار اعناقها الطويلة ولاتكف عن التثني والمشاباة عساها تظفر من الاميرة بنظرة وحيدة
لم تكن تدري انها الجميلة الاميرة صائدة القلوب .....
لم تكن تدري....
كان الشارع يمسي مظاهرة تتبعها اينما حلت
وهي لا تدري....
***************************88
كنت احلم
بالبيت المطل علي البحر
و الحديقة الخضراء
وزرقة السماء
كنت احلم باجادة عزف كل الات الموسيقي
والقدرة علي الغناء والرسم وصناعة الذهب وصناعة التحف اليدوية الجميلة
كنت احلم بامتلاك اليخوت والطائرات
والقصور المنيفة الجميلة
كنت احلم بقصر يعج بالخيول المطهمة الاصيلة
وحقول وتعريشات عنب جميلة ونخل ورمان وفاكهة كثيرة
كنت لو تحقق الحلم وضعتها جميعا تحت قدميك وقلت بماذا تأمر الاميرة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
******************
الزهور في مدني ذابلة حزينة
والذهول يجول في شوارع المدينة
كانت اميرة الاميرات
فجعلوها خادمة بالبلاط
وكانت حقولا خضراء
فأحالوها ارضا جدباء
ينتشر في ارضها الطاعون والوباء
****************************88
من يحرر الاميرة؟
من يعيد اليها الضفيرة؟
من يثأر للقتيلة؟
من يامدني يأخذ بيدك في الكهولة؟
من يرفع السيف عن عنقك
وينتصر للقصيدة؟
من يعيد القمر الي سماءك الحزينة
ويحيل ليلك الاسود
حقلا اخضرا وحديقة؟
***************************
من يحرر مدينتي الاسيرة؟
من يرفع الستاروينتزع الابر المسمومة من خاصرة الاميرة؟
**************************
*************************8
مدني مدينة النور والكوكبة البهية
مدني اليراع ومنبع الابداع
************************
***************************
مدني تموت ولا تستجدي اللقمة
واللمسة الحانية اللطيفة
مدني الكبرياء
الرجولة الحقة
والعاطفة النبيلة
مدني تعرف ان الخلاص قادم ولو تكالبت عليها كل كلاب القبيلة
مدني تبتسم والف سيف يغوص بالخاصرة الجميلة
مدني تولد حين تموت
وتخضر أوراق أشجارها حين تكنس الريح الأوراق القديمة
*********************************
******************************
يامدينتي
اني اشتهيتك
واني عشقتك
واني ارفض المساحيق علي وجهك
وكل تشويهات القبيلة
واظل اراك سيدة المدن الجميلة
************************
في شارع المكتبة الوطنية انفقت طفولتي
وفي ميدان المولد ببانت كانت ابهي ايام عمرنا
المراجيح
الدراويش
عرائس الحلوي
والفتيات الجميلات الجائلات
طعم الحلوي بالفم
وجوه رفاق الطفولة السعيدة***************************
(الشهيد /طه يوسف عبيد_ زهرة في البستان)
كناصغارا مفتونين بالجمال عشاقا للشعر والقصة والرسم والتشكيل والقراءة والكتابة،مهووسون بالثورة والتغيير بفضول من فتح عينه واذنه علي الثورة في كل مكان ووكان ذلك قدر جيلنا من مواليد الستينات... خرجنا الي العالم وهو يمور بالثورة والافكار الجديدة في كل مكان.. في السودان كان وردي ومحمد الامين يغنيان لثوار اكتوبر صناع المجد وللثورة حتي القصروالملحمة والقرشي شهيدنا الاول ويا اكتوبر انحنا العشنا ثواني زمان في قيود ومظالم وويل وهوان
وباسمك الاخضر يا اكتوبر الارض تغني والحقول اشتعلت قمحا ووعدا وتمني
وكانت اغاني البنات تمجد ثوار كوريا" ياشباب كوريا
وثوار الصين: ياجني الماو ماو
وكانت اناشيد العاصفة والثورة ترن في الاذن من راديو فلسطين المنطلق من القاهرة حينا ومن دمشق حينا اخرا
وكانت المكتبات عامرة بالكتب عن سيرة جيفارا والثورات ضد الاستعمار واشعار المقاومة الفلسطينية
وحتي المنهج المدرسي كان ملئيا بمفرادات الثورة والتعاطف مع الثوار.....
كان الكون كله ثائرا ولم نكن استثناء بل استجابت ارواحنا الصغيرة للثورة واحلام التغيير وتعلقت بها وكان مدخلنا الادب
فكل كتاب او قصيدة كانت مانفيستو ثورة وتغيير.... وكل شاعر افتتنا به كان يشبه جيفارا ويتشبه به....
كنا ثلة اصدقاء جمعت بينهم محبة الفنون الجميلة والادب... كنا صغارا حين ترددنا علي رابطة الجزيرة للاداب والفنون واصبحنا من اعضائها
وحضورها بانتظام.... كان طه بابتسامته الدائمة ووجهه الضاحك ورسوماته الجميلة الاكثر تميزا ونضجا
كان رساما بامتياز
وكانوا ثلاثة رسامين
طه يوسف عبيد
خالد كودي
اسماعيل عبد الحفيظ
وكانوا ضمن المجموعة
اسماعيل كان موظفا بالمحكمة وقتها وهو من ابناء المزاد شقيق لاعب الدفاع الفنان عادل عبد الحفيظ
وخالد كودي كان بمدرسة مدني الثانوية بينما كنت وطه ومجدي النعيم وعبد الماجد عبد الرحمن في مدرسة السني الثانوية
كنا نتردد بانتظام علي رابطة الجزيرة للاداب والفنون التي كانت عامرة بالنشاط... نستمع الي الشعراء( القدال/ محمد محي الدين/ محمد الفانح يوسف ابو عاقلة/ عادل عبد الرحمن/ نجاة عثمان/ عبد العظيم عبد القادر/ السر الزين/عبد الرزاق.)
ونستمع للنقاد( مجذوب عيدروس/ علي مؤمن/ محمد عوض عبوش/ ) ونستمع الي قراءت قصصيةونقدها(احمد الفضل ا حمد/ عادل عبد الرحمن/ مجدي النعيم/ عبدالله ابكر) وكنا نستمتع بفنون الرسم والتشكيل من عمالقة(بابكر صديق / الاستاذ بشير عبد الرحيم زمبة/ محمد عبد النبي/ الفاتح علما/ اسماعيل عبد الحفيظ/ علي الامين/طه يوسف عبيد/ نجاة عثمان/خالد كودي/ نادر وطارق مصطفي)
وكان بالرابطة عمالقة في مجال المسرح كذلك.
واتذكر الان التفاصيل الدقيقة الموجعة لاستشهاد طه يوسف عبيد في يوم الاحد العاشر من يناير (1982) صباخا علي الاسفلت
كنا عائدين للتو من المشاركة في الدورة المدرسية القومية بمدينة الابيض
حيث شارك طه ضمن مجموعة مدرسة السني المشاركة بمسرحية البشارة للكاتب محمد محي الدين واخراج الاستاذ بشير عبد الرحيم زمبة وبطولة قيس حيدر الكاشف وهو قاض الان وناجي و اخرين
وكان طه مسؤولا عن تصميم الديكور وقد فازت المسرحية بالمركز الاول والميدالية الذهبية علي مستوي الجزيرة والسودان
وكنت مشاركا ضمن فريق كرة القدم
المهم عدنا في نهاية ديسمبر1981 ووجدنا مدني تغلي بالمظاهرات ضد سياسة نميري فيما عرف بمظاهرات السكر حيث كان السبب زيادة اسعار السكر وندرته
فانخرطنا من فورنا فيها بحماس شباب مفتون بالتغيير..
في يوم الاحد 10 يناير كانت هناك مسيرة كبري بمشاركة الاطباء والمحامين والطلاب
تجمعت المظاهرة جوار السينما الوطنية بمدني
وذهبنا جميعنا الي هناك فقد كنا اصدقاء لانفترق ابدا
ولم يفرقنا الا الموت
ولاحقا فرقت الحياة بقيتنا
كنا حضورا كلنا في ذلك الصباح وتلك المظاهرة وذلك الرحيل
كان طه سعيدا كانه يزف عريسا
ضاحكا كطفل لا كرجل ذاهب الي احضان الموت
تحرك الموكب عبر شارع المكتبة الوطنية وهو الشارع الذي يشق سوق مدني
حتي السكة حديد
عبر الموكب سور السكة حديد وتجمع في ميدان السكة حديد امام كلية المعلمات
وهو يزمع السير الي تجمعات العمال في الادارة المركزية للكهرباء والمؤسسة الفرعية للحفريات
وكنا سويا ذات الاصدقاء
كان طه في المقدمة وجواره الاستاذ الراحل المحامي صلاح دفع الله والاستاذة ناهد جبرالله
وكنت خلفه تماما
حين دوي الرصاص ونحن في قلب شارع الاسفلت
تشتت المتظاهرون
وساد صمت قصير
ارتفع هتاف الرصاص فشنك)(الرصاص لن يثنينا)
كان ذلك صوت طه
رددت الجموع خلفه وبدأوا التجمع مجددا حين دوي الرصاص ثانية
التفت طه الي الخلف وهو يصيح: الرصاص.....
لم يكملها وانفجر الدم الطاهر نافورة وتلون وجهه بالالم
تحسست الدم في ملابسي
كان دمه علي قميصي
نظرت اليه وهو يهوي ارضا كما تهوي شجرة في النهر
اشعار ضائعة
كتب الشاعر المرهف محمد محي الدين قصيدة رائعة حول استشهاد طه يوسف عبيد سماها عشرة لوحات للمدينة وهي تخرج من النهر ... وهي لوحات رائعة لم تسجل الاستشهاد البطولي لطه يوسف عبيد وحده بل جسدت سيرة مدينة مدني بمجانينها واساطيرها
وكانت كلمات اقوي من الرصاص(شرد اللون والريشة انتفضت .. رابطت في الشوارع)
اعدكم بنشرها قريبا فهي صفحة من تاريخنا الثقافي
ومحمد محي الدين كان ولازال ركنا ثقافيا كبيرا في مدني وهو صاحب صوت شعري قوي ومتفرد ولغته لغة معطونة في الشجن والثورة وهو صاحب ديوان الرحيل علي صوت فاطمة
في ذلك الزمان كنا نطارد محمد محي الدين في الليالي الشعرية لنستمع للقصيدة وفي كل مرة نشعر بأننا نسمعها لاول مرة
وكنت استعيد تلك اللحظات القاسية كلها
كنت صغيرا وكان طه صغيرا وكنا نظن الدنيا اناشيد وقصائد وزهور وابتسامات
ولم نكن نظن ان فيها من يقتل انسانا لمجرد خروجه في مظاهرة سلاحها كالشعراء: كلمة..
مجرد كلمة وهتاف؟
مازالت تلك القسوة قابعة في اعماقي
مازلت اذكر العنقريب الاحمر الذي احضره بعض الطيبين من دكان ترزي اسمه الحريري
دكانه كان غرب كلية المعلمات
احضروا منه العنقريب ذي القوائم الملونة وووضعوا فوقه جسد طه الغض
وساروا به الي مستشفي مدني وسرت معهم مذهولا ومفجوعا
حتي حين تهامس الناس وسمعت سيرة الموت اول مرة لم اصدق ذلك
وعدنا من هناك الي منزل الاسرة بحي المزاد خلف مدرسة السني مباشرة
ذلك البيت الحبيب كان مكتظا بالبشر والميادين الاربعة امامه كانت كذلك
وفي الغرفة الصغيرة كان هناك خال الشهيد عبد العزيز عبد المنعم حافظ
والاستاذ مجدي سليم المحامي والاستاذ صلاح دفعالله وقائمة طويلة
وكان هناك افراد الشلة الحبيبة جميعهم
وهناك احضرت عربة الجثمان
من ذلك المكان خرجت مظاهرة اضخم لتشيع طه الي مثواه الاخير
عبرت المسيرة حي 114 وحين بلغت امام مدخل المؤسسة الفرعية للحفريات لعلع الرصاص مجددا
وسقط الشهيد الخانجي
وسقط العنقريب الذي يحمل جثمان طه نحو الارض بعد ان أصيب احد حملته وتفرق الاخرون وانبطحوا ارضا لتفادي الرصاص المنهمر
بقي طه وحيدا وبجواره والده الشيخ يوسف عبيد الذي جلس القرفصاء جوار الجسد المسجي وامسك باحدي القوائم وبقي هكذا غير عابئ بالرصاص.. توقف الرصاصأخيرا...جاءت عربة مجروس تابعة للجيش لتخلي جرحي الغارة ورأيت بأم عيني ضابطا بزيه الرسمي ممسكا بالجندي الذي كان قد اطلق الرصاص وهو يهزه بهيستيريا وغضب بعد ان تم تجريده من السلاح... كنت ملقي علي الارض بجانب الاسفلت...نظرت نحو طه وابيه ... كان يبدو نائما وابيه يحرسه اثناء نومه
كان مغطي بالابيض.. وكنت واثقا انه كان يبتسم كعادته.
كان استشهاد طه يوسف عبيد حدثا لاينسي ولا يتكرر، كنا صغارا قليلي التجربة يدفعنا فضول الصغار الي ارتياد افاق جديدة ولم يكن اكثرنا تشاؤوما يظن ان الخروج في مظاهرة والهتاف بكلمات يمكن ان يكلف المرء حياته، كنا نظن لسذاجتنا ان الخروج في مظاهرة مثله مثل دخول مباراة كرة قدم او السينما او الذهاب الي ليلة شعرية ليس ذنبا ولاجريرة، لذلك كانت صدمتنا كبيرة، طه الضاحك الجميل الطيب الرسام لم يؤذ احدا فلم يقتلونه؟
لذت بصمت كبير وأنكفأت علي حزني واسئلتي وظللت اذهب كل يوم صباحا الي منزل العزاء صباحا وابقي هناك حتي المساء صامتا اذهب وصامتا اعود وقدرة غريبة علي حبس الدموع قد هبطت علي من حيث لا أدري، كانت امي مرتاعة حزينة ترقبني في مجيئ ورواحي وهي قلقة ، حتي كان يوم، عدت من بيت العزاء عند المغيب في اليوم العاشر لاستشهاد طه وتوجهت نحو الحمام وقبل ان اصله وجدتني انفجر بغتة كالقنبلة بالبكاء ... بكاء طويل ... بكاء لم ابكه من قبل ولا من بعد.. اتذكر دموع اخواتي والخوف في عيونهن ويد أمي الحانية ونظرة الراحة في عينيها وصوتها رخيما دافئا في أذني وهي تحرضني علي البكاء مؤكدة ان البكاء خير من صمتي
صداقة
كنت صغيرا عندما عرفت معني الصداقة بين الرجل والمرأة
كانت من جميلات مدني اللائي تشهق الزهور من الغيرة حين تراهن
كانت صغيرة
وكنت اصغر منها
كانت زميلة دراسة لاختي الكبري في المدرسة الثانوية العليا
كنت لا ازال بالثانوية العامة بمدرسة فريني العامة بالمزاد
لا ادري كيف صرنا اصدقاء
لكن ذلك حدث
بت ملاكا حارسا يترقب وصول الاميرة بمحبة وشوق وود
وكانت ليست لطيفة فحسب بل هي
كما قال بشري الفاضل عن بنته التي طارت عصافيرها
لطيفة كاللطف حين يكون لطيفا مثلها
امتدت صداقتنا في الزمان
حتي بعد ان كبرنا وتزوجت هي اولا
وتزوجت انا
ومازلت اذكر اسرارها الصغيرة التي باحت لي بها
وما زلت اذكر احاديثنا الضاحكة وضحكتها الصافية
ومنزل اسرتها الجميل المرتب المملوء بالدفء والمشاعر الانسانية
في ذلك الحي التليد(الدباغة)
واتذكر ابيها الطيب وامها
واختها الصغري التي صارت زميلتي في الجامعة فيما بعد
كنت فتي الاسرة المدلل
كأنني ولدت هنالك أوكأن بيننا صلة رحم
ولم يكن سوي مشاعر انسانية صافية وقلوب طاهرة
لاتعرف السوء
لها محبتي ولاهلها
الذين غابوا كما غابت في الزحام كل الود
فقد فتحوا بيتهم وقلوبهم
بصدق وبادلوني حبا بحب
وزرعوا في داخلي انبل المشاعر
(الخوة والصداقة)
والتقينا وافترقنا علي الحب
دون ان تشوب علاقتنا شائبة
او خصام او سوء فهم
هي حقا
كانت اشراقة في حياتي
معتصم سوداني الأهلاوي الجميل
الاستاذ المحامي الراحل معتصم حسن ابراهيم الشهير ب (معتصم سوداني) رحل عن دنيانا وغيبه الموت نسأل الله له الرحمة
كان وجها جميلا من وجوه المدينة : رياضيا لايجاريه أحد في عشقه لسيد الاتيام اهلي مدني عرفته دار الرياضة حاضرا دائما مشجعا صعب المراس لمحبوبه عالي الصوت وعالي التهذيب صاحب طرفة وابتسامة دائمة وصوت عال يميزه لاعبو الاهلي جيدا كما يميزه رواد دار الرياضة مدني وهو عنيد في تشجيعه وفي حبه لهذا اللاعب وعدم استلطافه لذلك
ويحكي عنه الاصدقاء الطرائف منها انه كان دائم الانتقاد للاعب الاهلي الفذ الجيلي الله جابو والمطالبة بتغييره حتي انه بات يري في كل من يضيع هدفا الجيلي ويهتف فيه حتي انه مرة طالب باستبداله وهو غير مشارك.. ومع ذلك فهو وفي للاهلي ولاعبيه لطيف جدا معهم لايأخذون عليه شئيالمعرفتهم طبعه وغيرته، كان محاميا نشطا موفقا لطيف المعشر كثير الادب في تعامله مع زملاء المهنة والقضاة ورجال الشرطة والخصوم وصاحب سيرة مهنية لم تشبها شائبة...لم يعرف عنه ميل للخصومة او دخول في صراعات او معارك الا ما اقتضاه عمله كمحام ووفقا لاخلاق المهنة وتقاليدها التي تشربها من استاذه العالم سيف الدولة خضر عمر.. كان معتصم شهما كريما محبا للاخرين ودودا وكان بيت اسرته بشندي فوق التي يسميها محبة شندوق قبلة للجميع كل جمعة للتسامر والونسة وله اصدقاء دائمون هم كوارة ود المأذون الذي صار مأذونا ونجيب الذي يعمل بالمطبعة الحكومية وقام بتغليف معظم كتب محامي مدني والاستاذ فتح العليم محجوب والاستاذ صديق عيدروس واخرين سقطوا من الذاكرة وينحدر معتصم من اسرة جعلية من شندي من حي شندي فوق وقندتو حيث جذور والده ولكنه ارتبط بمدني ارتباطا قويا بحكم الميلاد والنشأة. له الرحمة ولاهله واصدقائه الصبر والسلوان. اللهم ارحمه واجعل قبره روضة من
رياض الجنة.
مدرسةالسنى عش الجمال
مدرسة السني الثانوية كانت مرحلة مهمة وغنية بالمعرفة والتجارب في حياتي
فيها كونت صداقاتي الاولي المؤثرة في حياتي
فيها عرفت مجدي النعيم بنظارته الطبية وسمته الهادئ ونهمه للقراءة
وكتاباته القصصية ومحاولاته الشعرية وحفظه للشعر
كان مدهشا هو وعالمه
قادني بعيدا من عالم كرة القدم والالغاز وكتب ارسين لوبين ومشاجرات
اولاد الفريق وصالات السينما الي عوالم اخري ارحب واكثر غموضا وجاذبية
هو عالم الشعر والقصة والثورة والهم الاجتماعي
كان مجدي من ابناء المدينة عرب وكان يقيم بالداخلية
في ذلك الزمن كان ابناء المدينة يرون نفسهم اعلي درجة من ابناء القري ويطلقون علي
سكان الدداخلية القابا غريبة منها الروس
ولكن ابناء الداخلية كانوا دائما قادرين علي الانخراط في المجتمع المتمدن وكسر غروره
بسعة افقهم ومواهبهم وتميزهم الاكاديمي ومشاعرهم الصادقة
وسرعان مابت صديقا للداخلية وشريكا في عدسها وفولها وشعرها وابداعها
كان مجدي بوابتي الي رابطة الجزيرة للاداب والفنون هو وبقية الاقمار اصدقائي الرائعين الشهيد
طه يوسف عبيد وخالد عائس وعبد الحميد عبد الرحيم وعصام جبرالله
مجدي النعيم بات دكتورا في الادب وترجم كتابا مهما غن الثائر علي عبد اللطيف
كتبته باحثة يابانية بالانجليزية
وكان هناك مبدع اخر بمدرسة السني هو الاعلامي عبد الماجد عبد الرحمن وهو من ابناء ريفي المناقل وطالبا داخليا
وكان مذيع المدرسة الاول الامر الذي اهله ليكون فيما بعد احد مذيعي الولاية اللامعين
وكان نشيطا جدا في الانشطة الادبية
ومن النجوم قيس حيدر الكاشف الذي كان ممثلا بارعا ادمي الاكف بالتصفيق في مسرحية البشارة
التي كان من ابرز نجومها وهي الفائزة بالذهبية علي مستوي الجزيرة والسودان في الدورة المدرسية
وهي من تأليف الشاعر محمد محي الدين واخراج الاستاذ الجميل بشير زمبة استاذ الفنون بالمدرسة
وقيس حيدر الان يعمل قاضيا مرموقا بالسلطة القضائية
ومن نجوم المدرسة اكاديميا المتميز المهندس عبدالله عكود عثمان الذي كان بارعا في الرياضيات من يومه وهو الان مهندس كمبيوتر تخرج من جامعة الجزيرة كلية العلوم والتكنولجيا ومن اوائل من اقاموا مركز تدريب وتعليم الحاسوب بمدني وهو صاحب نكتة
ومن نجوم المدرسة جمال محمد عبد الله الوالي من ابناء فداسي وكان شخصا مهذبا خلوقا ومحبوبا من الجميع ومحبا لكرة القدم بلا غلو وبلا لعب لها وهو رئيس نادي المريخ الحالي وكنا نذهب بدعوة منه الي فداسي يوم الخميس منتخبا كرويا من المدرسة ونلعب هنالك مع فريق فداسي ونحل ببيت اسرته الواسع
وكان ذلك عملا ادارايا كشف اهتماما مبكرا بالادارة وقد كنت يوما كابتن المدرسة وحارس مرماها
ومن النجوم اخونا عماد بابنوسة من اولاد دردق وهو حارس مرمي بارع حرس مرمي الاتحاد مدني فيما بعد وهو الان برتبة عقيد بالشرطة
وكذلك اخونا علي الشريف الذي لم يكن له نشاط رياضي ولكنه كان محبوبا من الجميع وصاحب تأثير كبير وهو الان ضابط شرطة برتبة العقيد
وهناك الاخوان خالد سعيد حارس الزهرة من ابناء دردق وياسر كمبوك مدافع المدرسة من ابناء 114
وهناك ياسر النقر من ابناء المزاد وهومهاجم المدرسة وفريق نجوم المزاد ومن بعده الدفاع ومن بعده اهلي مدني
وكان استاذ صلاح الحاج الشهير بصلاح كيمياء من ابرز المعلمين بالمدرسة
وهناك الاستاذ فضل السيد عليه رحمة الله وكيل الناظر ومن ثم الناظر
ولنا عودة
لوحات من مدنى
اشتاق زنك الخضار القديم قبالة حديقة سليمان وقيع الله وضجيجه الأليف
اعرف انه بات موجودا في ذاكرة من حضروا ذلك الزمان وتحول الي عمارات الان
لكنني اشتاقه واشتاق الجداد والحمام والكسرةالذين استوطنوه زمنا وبيعوا فيه للفقراء
واشتاق زمن الطماطم التي لم تلوثها الاسمدة
والسمك الذي كان يباع طازجا ومقليا وكان اصحابه ينادون عليه حمام النيل مقلي
واشتاق تلك المكتبة التي كانت تتوسط السوق وتوزع فيها الصحف للباعة المتجولين
وجوارها اكشاك التلج في زمان كانت التلاجات فيه فتحا جديدا
(2)
اشتاق تلك المكتبات المفروشة علي الارض جوار حديقة سليمان وقيع الله
تحت ظل اشجار الزونيا الظليلة
لم تكن المدينة قد عرفت غضبات المحليات علي الباعة الذين يفترشون الارض ولم تعرف الكشات طريقا اليهم
لم يكن ثمة احد يساوي بين باعة الكتب وباعة الأبر والبسكويت المنتهي الصلاحية
كانت تلك المكتبات مزارا دائما للطلبة الفقراء والمثقفين الكبار باحثين عن درر ثمينة لايجدونها في المكتبات
كنا صغارا نجلب كتبنا القديمة لبيعها وشراء كتب لم نقراها
كانت المدينة تتنفس قراءة
نشتري الالغاز ومجلات ميكي وسمير وسوبرمان والوطواط ومجلدات سمير وميكي وكتب ارسين لوبين اللص الظريف واجاثا كريستي والفريد هتشكوك
وفي الفريق والمدرسة نتبادل ما اشترينا مع الاخرين في اجمل تبادل للمعرفة عرفه اطفال العالم
كنا نقطع المسافات سيرا علي اقدامنا من 114 الي السوق وبالعكس من اجل كتاب او مجلة
ونقطع مشاويرا اخري من 114 الي الدرجة او المزاد او السكة حديد من اجل تبادل كتاب او مجلة
كانت مكتبات ناس محمد عزالدين ورفاقه المفروشة علي الارض اجمل مائدة ثقافية ممدودة للفقراء
تشهد فيها الصغار والكبار يبحثون بلهفة عن كتاب
والبعض يقرأ خلسة وسماحة في مكانه ويترك ما قرأ ويمضي
بلا احتجاج
فكل بائع للكتب في تلك المدينة وذاك الزمان كان يري نفسه رسولا للثقافة والمعرفة
اشتاق ذلك الزمان واولئك الناس وتلك الامكنة
(3)
كنا نشجع الاهلي ونحبه بجنون وكنا مفتونين مع ذلك بنجوم الاتحاد والنيل
كنا مفتونين بمدينتنا
متعصبين لها اجمل تعصب
وكنا محقين في التعصب
فما زارنا فريق وتباري مع اي من فرق مثلث القمة في مدني الا وجدت مدني كلها لبست ثوب الفريق اللاعب باسمها وآزرته علي بكرة ابيها
ووجدته لم يخيب الظن فاكرم وفادة ضيفه بعرض ونتيجة
كان ذلك زمان الكبرياء والشموخ في مدني
فمن سرق منا مدني؟
من سرق منا ابداعات سانتو اخوان اللذان توزعا بين الاهلي والاتحاد بالتساوي
ومن سرق منا ابداعات حموري اخوان اللذين توزعوا علي الاهلي(النور) والاتحاد(معتصم) والنيل(محمد)؟
ومن الذي سرق منا ابداعات مهدي عابدين الاتحاد واستاذالنيل النيل؟
ومن الذي سرق منا ابداعات اولاد الله جابو (السر ومحجوب) بالاتحاد وعثمان والجيلي بالاهلي؟؟
ومن الذي سرق منا ابداعات اولاد بدوي في حراسة المرمي(ابراهيم )في النيل والسر في الاهلي؟
ومن الذي سرق منا ابداعات اولادالفاضل(مبارك) في الاتحاد و(عليوة )في الاهلي؟
ومن الذي سرق منا ابداعات
سيد سليم، بلة سليم, الباقر، عباس ركس، حمد دفع الله، الدحيش، الاسيد، فتح الرحمن/ الطاهر قورو، فيصل بوكش، العمدة، سامي عزالدين، صلاح الشاذلي، محمد حامد دبوية، ابراهومة سيد الاسم، الريشة،فتاح الدحيش،خلف الله، عمر النقي، عصام غانا، حربي، ابو الليل، معتصم نيفا، ابوزعبل، عواض،كسلا ، اسمر والرشيد ودريسة، حاكم النهضة وحسن خميس، اوبالي والمجروس، امير حفرة ، والي الدين، عبدالله عبدالله
عادل عبد الحفيظ، عصام دياب،سقد والنقر،مصطفي ادريس وحكيم مرجان،دامبا والشهاوي وكتة وبكري جابروهجو
وعثمان ديجانقو والمجروس وبلة والفاتح رنقو والفاضل جبريل وعبد الفضيل وخضرسلمان وجمعةوالجيلي يونس والتاج الشيخ وابراهيم الشيخ وعطية وبدر ابليس وجلال عبدالله وكوشينا والتتر وسنطة ومنير استيف وعواض
وعادل الزوبار ومبارك سيسيو والنقر وبدر كولما والجار وحسن الطيب ............................
من يعيد ذلك الزمان واولئك الرجال يامدني؟
واين هم احفادهم؟؟؟
تري الم يجد الاحفاد وقتا لتعلم فنون الاباء والاجداد؟؟؟
ام ان تلك جينات نادرة لاتورث؟
ام ان الارض صخرية لاتصلح لانبات نبات طيب؟؟؟؟؟؟؟؟
هي اسئلة
ودمعة سدي.......................
(3)
اشتاق جلسة في زقاق البرتش كانسل خلف مركز الشباب
لاعضاء رابطة الجزيرة للاداب والفنون
مكان ضيق
ولكن النفوس رحيبة
ضوء خافت
لكن النجوم الجالسة ضوءها يكفي لانارة العالم كله
كان ذلك زمان جميل كنا صغارا في اعتاب الثانوي
في مطلع الثمانينات ولكنا كنا لانغيب من ذلك المهرجان
شهودا صامتين نكتفي بالاستماع الجمبل
من يعيد ذلك الزمان وتلك الرابطة الفريدةوذلك الفضول للمعرفة والتعطش للجمال؟
الترزي الجميل
تذكرت وجهه من بين وجوه عديدة
كان غريبا عن مدني
ولكن دكانه الصغير بالدرجة كان اميز مكان لتجمع ابناء حي الدرجة
كان محمد احمدترزيا ماهرا
ولاعب كرة مميزا بفريق التضامن
اميز فرق حي الدرجة
كان يلعب مدافعا ايمنا
وكان رجلا مرحا صاحب نكتة وابتسامة دائمة
محبوبا من الجميع
وكان دكانه قبلة للغادي والرائح
ولايخلو من الاصدقاء ابدا
كنت تجد نجوم فريق التضامن
جميعا هناك: محي الدين عبدالستار/ عبد اللطيف/ عمر عبدالله/ عبد الله الكوارتي
وتجد الحوري وعلي العوض والفاتح عبد الرحيم فالدكان ملحق بمنزل اسرته
كانت الضحكة هي سيدة الموقف
والمحبة هي ستارة المكان وانفاسه
صعد فريق التضامن الي الاولي
وفعل العجب في الدرجة الاولي
وانتقل الي موقعه الجديد جوار مدرسة السني
وظل دكان محمد احمد مكان التجمع
حتي كان يوم
نعي الناعي محمدا
فارق علي عجل في حادث حركة اليم
وحده كان قادرا علي تغييب الابتسامة
ولكن سيرته بقيت تومض في ذاكرة وقلوب الاصدقاء
رحم الله محمد احمد الترزي
لاعب التضامن
وصديق الجميع
رحمة واسعة.
صورتي أنا
طفلا صغيرا تلوح جبهته شمس حارقة وهو يجول المدينة حاملا صحفا تبحث عمن يشتريها
في العطلات المدرسية كنت، لم يكن العمل بسبب الحاجة ولكنه كان شعورا مبكرا بأن كتف الاب ينوء بحمل ثقيل يجب مشاركته في حمله، كان الاخوان الاكبران قد سبقاني في ذلك الدرب، فتحت عيني عليهما وهما يمارسان العمل في العطلات، والحق يقال كان العمل في العطلات في شتي انواع العمل تقليدا لابناء ذلك الزمان في تلك المدينة التي كانت تقدس العمل وتخصص لطلابها فرصا للعمل المؤقت في العطلات في كل مصالحها الحكومية، كان مشروع الجزيرة يستوعب كمية ومحالج مارنجان تستوعب كمية اخري وووزارة الاشغال تستوعب مجموعات كبيرة وكذلك هئية البحوث الزراعية ووزارة الري والمؤسسة الفرعية للحفريات والبلدية ووقاية النباتات، كانت ابواب العمل مشرعة للطلاب الكبار سنا، اما المراحل الادني فكان طلابها يتجهون نحو الاعمال الحرة فيعملون باعة للخضار في الملجة وباعة للصحف والماء والتسالي والايسكريم والفواكه والنبق وغيره، كان حظي انني جربت بيع الماء في مواقف المواصلات حينا وبيع الصحف حينا والعمل بالملجة في بيع الطماطم حينا...
ملامح من وجهى القديم
كنت صغيرا ومزهوا بنبوغ كنت أسمع عنه عند الكبار، كانوا يفرغونه في شكل ثناء أو
هدية صغيرة قد تكون قطعة حلوي، لكنني كنت أمتلي بسعادة لاتحدها حدود وأقبل باهتمام علي دروسي علي أظفر بالمزيد، كنت أحب الاستاذ فأحب مع محبته كل شئ مرتبط به،أتذكر ذلك الاستاذ في مدرسة بانت غرب الابتدائية في مدني أظن اسمه عبد العظيم، كان طويلا وبدينا ومستدير الوجه وله نظارة تميزه وابتسامة تزداد جمالا حين ينشد بصوته القوي أناشيد جميلة كلها تدور حول حب الوطن، فنغني معه باصوات تزداد نشازا مع ازدياد حماسنا، كان ذلك الرجل الجميل بوابة أولي ولبنة أولي في عشقنا للموسيقي والوطن بتلك الطريقة الطفولية الحالمة الجميلة،وكان الجرس في المدرسة موسيقي أخري تتخذ اشكالا مختلفة ، فان كنت داخل الفصل متشوقا للفطور والحلوي فهو بشارة التحرير ورنة السعادة ، وان كنت لاتزال تركض باقدامك النحيلة صوب المدرسة
ورن الجرس قبل بلوغك الفناء فهو نذير علقة ساخنة ودموع قادمة في الطابور
كان كل شئ في المدرسة له طعمه ومعناه الخاص حتي الشقاوة
أتذكر الان بشكل غامض وجها أسمرا به نمش لرجل خمسيني هادئ الطباع كان هو صاحب الدكان الذي نمر
به يوميا في طريقنا من البيت في حي البيان الي المدرسة في بانت، لا أتذكر أسمه لكن أتذكر طعم الفول المصري الجميل الذي كنا نتناوله منه محشوا في سندوتش ونحن ذاهبون الي المدرسة، كان طعما لم يتكرر ثانية برغم الرحلة الطويلة مع الفول عبر السنين، كان رجلا طيبا ، يحب الأطفال كثيرا ويحتملهم إحتمالا لاأظن أهلهم يحتملونه،كنا نحب دكانه كثيراويمثل محطة مهمة في رحلة الصباحية، الدكان كان قريبا من بيت علي افندي والد عبدالعظيم علي افندي زوج عمتي نفيسة محمد علي والدة رفاق طفولتي الباكرة نادرونازك، كان نادر يقرأ معنا في ذات المدرسة وكانت نازك تقرأ في مدرسة الكورة الشهيرة ببانت وهي تقع في الطريق الي المدرسة، فيما بعد صارت نازك وكيلة نيابة وصار نادر ضابطا بالجيش وبت محاميا ثم قاضيا، فهل تري كان من علمونا الحروف وقومونا في ذلك الزمن يتصورون ما صرنا اليه؟ هل كانوا يدركون ان بذورهم ستقبض وتثمر؟وهل لو فقدوا ايمانهم بجدوي ما يفعلون أو تراخي ذوينا في دفعنا نحو التعليم تري كيف كانت تكون مصائرنا؟ هي اسئلة للتقدير والعرفان لمن منحونا قوة في وقت ضعفنا وصنعوا منا شيئا وليست وقفة للتباهي. أتذكر الان تلك الطفولة الشقية في بيوت متعددة متقاربة، بيتنا في حي البيان وبيت جدي الذي يقع أمامه مطلا مباشرة علي شارع الدباغة السوق، والبيت الثالث بيت ناس علي افندي جد نازك ونادر عبد العظيم الذي يقع في طريق المدرسةجوار طاحونة شهيرة أحتلت بعض ذكريات الطفولة، واتذكر كوبري حاجة عشة الذي سموه كذلك نسبة الي حاجة عشة التي تبيع الفول والتسالي عنده وهو كوبري صغير تنحدر مياه الامطار عبره الي النيل الازرق القريب من حي العشير الذي يقع في جانب الزلط، اتذكر بيت ناس العم بشير جمعة صاحب بصات الركبي الشهيرة التي كانت وسيلة النقل بين الخرطوم ومدني وهي نيسانات لها صندوق مصنع محليا،وكان بيت بشير جمعة يطل علي الخور المنحدر من بانت نحو النيل الازرق، واتذكر ان نفس الاسرة كان منها ناس بايا لاعب المدينة الشهير واخوته عمر والثالث لا اذكره، كانوا مهووسين بكرة القدم ونادي المدينة بينما كان آل دوليب كلهم مفتونين بنادي الزهرة العريقوكانت كل اسرة دوليب تقريبا لاعبين مهرة ، اتذكر منهم حيكو والتيمان وكبيرهم الذي كان كابتنا للزهرةلفترة طويلة واتذكر الكابتن ابوليلي عليه رحمة الله
واتذكر جلال عبدالله لاعب الاتحاد والهلال العاصمي الشهير من ابناء البيان واخوه مبارك الذي لعب للاتحاد مدني واخوهما بدر ابليس الذي لعب للاتحاد ايضا واتذكر اسرة ناس مبارك الفاضل بركة الذي لعب بالثوار والاتحاد وشقيقه عليوة الذي لعب بالزهرة والاهلي مدني وهلال بورسودان
............................
كان هناك بيت صغير به شجرة نيم عملاقة، كان البيت في زقاق صغير من زقاقات
العشير، كنت احتاج قطع شارع الزلط الملئ بالحركة للوصول اليه، لا اتذكر أسم صاحب البيت ولكنه كان قريبا بعيدا لنا،كان البيت علي قلة سكانه وهما زوج وزوجة دوما مزدحم بالناس وبالضجيج الفرح،لاتخلو الدار ابدا من الضيوف المقيمين وجلسات الجبنة والأنس، كنت اتسائل دوما كيف يحتمل الرجل الباسم الودود دوما كل هذا العبء ولماذا؟
غاب الرجل في زحام الحياة فجأة وبقيت شجرة النيم العملاقة تنتظر أوبة من كانوا يقضون سحابة النهار تحتها في أنس وحبور، كنت أعود اليها بين الفينة والأخري فلا أجد من آثار أهل الدار الا الطيور التي تقضي سحابة النهار في ظلها، ثم باتت الشجرة شاحبة صفراء الأوراق، وذات يوم جئت فلم أجدها بل وجدت أوراقا شاحبة جافة وأغصان مبعثرة في الكوشة الكبيرة التي تتوسط الحي ، فبكيت ولم أعد أبدا
............................
في حي البيان حيث سكنا في طفولتي الباكرة في منزل باشا جد حموري لاعب الكرة الشهير بجوار ناس اب
ساق من الجهة الشرقية وناس آمنة الحمراء من خلفنا وناس عاطف المشهور بعاطف اب ادية بسبب عيب خلقي في يده من الناحية الغربية ويفصلنا عنهم شارع صغير، وأتذكر أن احد الجيران كان ملاحظا للصحة وله برنيطة عريضة وزي كاكي مميز واظن ولده كان عوض الكردي الذي بات فيما بعد ضابطا كبيرا بالشرطة في الثمانينات،وكان من الجيران شاب يسمي قزقز كان لاعبا لكرة القدم بامكانيات مهولة وكان يلعب في فريق ،الثواروكانت الالقاب منتشرة في الحي انتشارا كبيرا كان سمة تلك الناحية من مدني وذلك الزمان
وفي تلك الايام كانت العصبية للاحياء والشلليات المبنية علي ذلك في أوجها، كان اولاد العشير عصبة شرسة واولاد أم سويقو عصبة أخري أصعب وكان أولاد البيان مجموعة وأولاد بانت مجموعة أخري، ومن الطرائف التي اتذكرها أن المجموعات المختلفة اعتادت علي شن غارات علي بعضها البعض استعراضا للقوة وثأرا احيانا وبحثا عن الإثارة تارة أخري، اتذكر انه كان يوجد في مدخل فريقنا ملث صغير يبدأ من الكوبري الأول بعد القبة مباشرة جوار منزلجيران كان لهم ابن يشتغل بشرطة المرور وله موتر من مواتر التشريفة، عندهذا المثلث كان ثمة عمود كهرباء مضئ وعند هذا العمود كان العم مدنكل يبيع السندوتشات الرهيبة من الفول وسلطة الاسود وسلطة الروب والطعمية، كانت شهرة العم مدنكل تشمل مدني كلها،فيأتي الناس اليه لشراء السندوتشات الجميلة، كان اولاد حلتنا قد اعتادوا التجمع عند عمود النور ولعب الكوتشينة ارضا اسفله والسمر تحته، وكانت هناك خشية دائمة ن غارات اولاد العشيروأم سويقو فكان اولاد الفريق الكبار يستخدمون الصغار ككتائب استطلاع وانذار مبكر، وكانت العصي مجهزة بجوارهم استعدادا لاي غارة،واتذكر غارة شنها اولاد أم سويقو علي الفريق استدعت تدخل النجدة لفض الاشتباك، كان الأمر كله استعراضا للرجولة وبحثا عن الإثارة والبطولات
وكان شئيا يبدد الرتابة
والغريب انه كانت توجد علاقات طيبةوصداقات فردية عابرة للاحياء ومباريات كرة قدم ومشاركات في الأعراس في الاحياء المختلفة ونارا ما كانت تحدث احتكاكات، وكان لعلاقات المدارس دور كبير في تذويب التعصب للاحياء واختفاء عصابات وشلل الاحياء في مدني
ولكن ظل ابناء مدني لفترات طويلة يتحركون في جماعات كبيرة علي اساس اولاد الفريق
خوفا من بطش عصابات الاحياء الاخري بهم ان هم تحركوا فرادي
`ذكريات المدرسة الابتدائية
.درست في مدرسة الجنوبية الابتدائية بحي الدرجة بمدني قبالة مدرسة السني الثانوية التي كانت تسمي في ذلك الزمن النيل الازرق الثانوية وكان يدرس بها اخي الدكتور محمد سرالختم وقتها، كنت صغيرا في الصف الثالث الابتدائي حين انتقلت من مدرسة بانت غرب الابتدائية التي درست فيها الصفين الأول والثاني ثم انتقلت الأسرة الي حي 114 وكان لابد من نقلي الي مدرسة اقرب من بانت غرب التي كانت الأقرب حين كنا نسكن حي البيان، كان ذلك الانتقال انتقالا مبهرا ، فالبئية في مدني جنوب ( احياء الدرجة المزاد والحلة الجديدة و114وشندي فوق والسكة حديد) كانت شيئا مختلفا عن حي البيان وبانت والعشير، ففي هذا الجزء الجنوبي من مدني كانت الخضرة تكسو الشوارع بشكل واضح، كانت الحواشات القريبة التابعة لمشروع الجزيرة وتلك الترعة التي تشق حي 114 وتفصله عن الدرجة تضيف بعدا مختلفا للمنطقة، مدرسة النيل الأزرق كانت عالما ساحرا وجميلا ومشتهي، كانت فناء واسعا به مجموعة كبيرة من الفصول وبها داخلية مكتظة بالطلاب، وبها ميادين باسكت بول وكرة طائرة مميزة،اتذكر اننا كنا عندما نأتي صباحا الي المدرسة نتلفت صوب ميدان الطائرة الخاص بمدرسة النيل الازرق،، نري الشبكة منصوبة وفريقان من طلبتها واقفان كل فريق يرتدي زيا مميزا، وثمة استاذ مصري الجنسية يرتدي فنيلة خضراء ممسكا بالصفارة، تبدأ المباراة صاخبة ساحنة وبقية الطلاب حول الملعب يشجعون ونحن ننظر من بعيد في شوق الي يوم نبلغ فيه هذه المدرسة، يرن الجرس في مدرستنا فنركض نحو الباب الصغير خوفا من العقاب ان تأخرنا عن الطابور، ويتكرر المشهد ذاته كثيرا، اظن ان ثمة حكمة كامنة خلف تجاور مدرستين مثل مدرستنا الصغيرة ومدرسة اخوتنا الكبار الثانوية العليا التي تفصل بيننا وبينه مرحلة الثانوي العام، فقد كانت المدرسة الثانوية بميزاتها غير الموجودة في مدرستنا تمثل طموحا مشروعا لنا وتشكل حلما يجعلنا نطوي الفصول طيا لبلوغه، اتذكر ان ناظر مدرستنا الاستاذ محمد يوسف كان رجلا صارما ومهابا، اتذكر حتي العجلة التي كان يستقلها في قدومه وذهابه، اتذكر انني قابلته بعد سنوات عديدة في السوق الجديد بمدني جوار البوستة، كان لايزال علي عجلته تلك وكنت قد بت محاميا يرتدي بذلة كاملة في عز الصيف، توقفت وصافحته وقلت له انني تلميذه فضحك وقال لي يا بني انا لا انسي تلاميذي ابدا، اتذكرك وكل زملائك واحدا واحدا، وانا فخور بكم دائما ويكفيني ان يوقفني في كل دقيقة واحد منكم ويسلم علي بصفتي المحببة التي لايسلبها مني معاش الحكومة( يا استاذ)، كان متأثرا جدا، وكنت سعيدا جدا بلقائه، تذكرت قصة سراج الجعلي ذلك النحيف المشاكس الذي كان نجم الفصل في الهرجلة ونجم الطابور في الصمود امام الجلد العلني المتكرر، كان لايصرخ ولا يئن ابدا، يرفعه اربعة من (ناس ورا) الذين يتميزوا بالطول والقوة وبروز معالم البلوغ عليهم، ينهال السوط علي صلبه وهو يضغط علي اسنانه وحين يطلقوه يقفز نشيطا ويقف في الطابور كأن شيئا لم يكن، حتي كان يوم، كان المسؤول عن الطابور في ذلك اليوم استاذنا مهدي عابدين لاعب اتحاد مدني الفلتة في ذلك الزمان، لاحظ استاذ مهدي في صمود سراج شيئا غير عادي، فانبري وفتشه فاخرج (لستكا جوانيا) كاملا كان محشوا بين الرداء والجسد النحيل، حين رفعوا سراج مجردا من حصانته الخفية صرخ باعلي صوته من السوط
الأول وبكي في الثاني وانفلت هاربا من المدرسة في الثالث وضحك الطابور كله....
(حكايةالرجل الذى غير حياتنا( الى الأسوأ
من الاشياء الموجعة في ذكريات الطفولة في مدرسة الجنوبية الابتدائية تلك الجريمة التي ارتكبها أحد المعلمين بحقنا، كانت مدرستنا تجمع بيننا نحن ابناء العمال الفقراء محدودي الدخل وبين أولاد كبار الموظفين والتجار في المدينة، فقد كان حي الدرجة الذي تقع به المدرسة هو حي الطبقتين الوسطي والثرية وكان سكانه يجمعون بين خليط من كل الطبقات وصفوة من الأثرياء وكبار الموظفين في المدينة، كانت ظاهرة التعليم الخاص والمدارس الخاصة لم تعرف طريقا بعد للمجتمع السوداني في ذلك الزمن منتصف السبعينات، كانت المدارس كلها حكومية وشعارات مثل الزامية التعليم ومجانيته هي المحببة لدي حكومة النميري ذات الشعارات الاشتراكية، كانت الدروس الخصوصية تشق طريقا خجولا في ذلك الوقت، وكان من نصيبنا ان ندفع ثمن ماقبضه معلمنا ذلك الذي يسمي يونس وكان استاذا للحساب قبل ان يصير اسمه رياضيات، اختار ثلاثة من كبار تجار المدينة الاستاذ المذكور ليقدم دروسا خاصة لاولادهم الثلاثة في الحساب، فانعكست تلك الحصص الخصوصية علينا نحن الذين لم نكن نحتاجها ولانملك ثمنها لو احتجناها ، كان انعكاسها علينا ان معلمنا المحترم بات يميز بين طلابه الخصوصيين دافعي الأجر الخاص من اولاد المصارين البيضاء وبين تلاميذه الفقراء الذين تدفع له الحكومة نيابة عنهم راتبه المحدد، كنانرفع ايدينا ونصرخ بحماسة ( فندي ...فندي....فندي) لكي نجيب علي سؤال في الحصة فيتجاهل اصابعنا الصغيرة واصواتنا التي بحت ويطلب من واحد من فرسانه الثلاثة ان ينهض ويجيب واذا اخطأ يعدل اجابته ويطلب التصفيق له، كنا نشعر بالم كبير وحسرة وغضب منه ومنهم، كيف سولت له نفسه وهو معلمنا كلنا ان يمنح بعضنا امتيازا علي البعض لاسباب لاعلاقة لها البتة بالتعليم او الذكاء، وكيف قبلوا هم ان يصبح الفصل واستاذه ملكا لهم وحدهم ونصبح فيه لاقيمة لنا ولاصوت مثل جدرانه؟ ....كان رد فعلنا ان كرهنا الاستاذ فكرهنا حصته وكرهنا الحساب كراهية امتدت الي عمرنا كله وقذفت بنا فيما بعد بعيدا عن المساق العلمي وقذفت بنا في حينه الي ترتيب متأخر في الفصل، اتذكر جيدا انني كنت قد جئت منقولا من مدرسة بانت غرب وترتيبي الأول مشترك بنقصان ثلاث درجات فقط وكانت درجتي في الحساب ممتازة جدا، وحين انهيت عامي الأول بعد صدمة استاذ يونس تلك وترتيبي الحادي عشر ودرجات الحساب هي الأسوأ وهي سبب التدحرج.... كانت تلك جريمة لاتغتفر لازلت اتذكرها بذات الشعور بالظلم وبالغضب برغم السنوات البعيدة التي تقع مابين عام 1974 وعام 2013. الغريب ان الفرسان الثلاثة لم يتجاوزوا في التعليم المرحلة الثانوية، توقف قطارهم فيها وباتوا تجارا مثل ابائهم ، فيما واصل أقرانهم تعليمهم الي أعلي مراتبه، لم تشفع لهم نقود ابائهم ولم تمنع أقرانهم قلة حيلة ابائهم من مواصلة تعليمهم. اما استاذ يونس فنسأل الله ان يسامحه ويفغر له ماتقدم وتأخر من ذنبه، فقد كانت غلطته معنا درسا نافعا لنا تعلمنا منه الكثير وأهم ماتعلمناه هو اجتناب الظلم بكافة اشكاله.