كان بيتا صغيرا مكونا من غرفتين فقط ومطبخ صغير وحمام، بيتا حكوميا في حى عمالي صغير في طرف مدينة وادمد نى الجنوبى اشتهر وعرف باسم 114 أو الكمبو ،كان الحى يتكون من مجموعة من البيوت المبنية بطريقة واحدة ومنقسمة الي نوعين يسمى الأول (الفرادى) وهو على شاكلة ما وصفناه اعلاه من حيث عدد الغرف، وهناك نوع ثانى يسمى( الدبل ) وهو أكبر قليلا يتكون من غرفتين مفتوحتين علي بعضهما وتتوسطهما برندة داخلية وملحق بهما حمام داخلي وهناك صالون كبير ومعه حمام خارجى وهناك غرفة كبيرة تعتبر مطبخا، والى جانب ذلك فان الحمام مميز عن حمامات الفرادى بالبئر الخاصة به، بينما الفرادى كان يقتقد الي تلك الميزة ويعمل بنظام الجرادل الحديدية التى كان عمال البلدية يحملونها على الرؤوس حين تمتلئ ويفرغوها فى عربة خاصة بها ترميها بعيدا، كان ذلك زمنا قبيحا رأينا فيه بعضنا يحمل فضلات بعضنا على رأسه في منظر مهين مذل، وقد اختفت تلك الصورة القبيحة في السبعينات واصبحت لكل البيوت آبار ملحقة بها، نعود الي بيتنا الصغير ذاك فقد كان يتميز بوجود نخلة باسقة فيه تشكل عنوانه ووصفه وتفصح عن سمتين مهمتين من سمات أهله، فقد كان صاحب البيت العم محمد محمود مزارعا قدم من أقصي الشمال حيث ؟أهله الدناقلة ليشتغل بوزارة الرى في مدنى في المهنة التى يجيدها وهى الزراعة وكانت بصمته ظاهرة في بيته الصغير بشكل واضح وكانت النخلة بمثابة اعلان عن هويته الشمالية وعن بئيته الأصلية وأشواقه الدائمة اليها، كانت زوجته فاطنة ساتى هى الأخري معلما من معالم الحى ورمزا مجسما لثقافتها النوبية فظلت تستخدم رطانتها كأنها لم تغادر أرض اجدادها وظلت تتحدث العربية بالقدر الذي يعينها علي التفاهم البسيط مع من حولها وظلت تؤنث المذكر وتذكر المؤنث غير عابئة بالنحويين والمعترضين ، وظل وجهها يتألق ورطانتها تملأ المكان كلما وجدت من أهلها من يجيدها،ومع ذلك الاعتزاز بالجذور دخلت فاطنة ساتى قلوب الجميع بلغة أخري لغة عالمية لاتكتب لكنها تعاش وتحس وتربط بين القلوب ( المحبة) فقد كانت كريمة محبة للصغار والكبار وبيتها مفتوحا للجميع و كان بالبيت شجرة ليمون مثمرة هى ملك للجميع وكانت النخلة ظلا للجميع مع انها في قلب البيت ، كان الصغار يحبون البيت الخالي من الصغار وصاحبته وكانت النسوة يهرولن كل ظهيرة وصباح الي أم الجميع التى ماتخلفت عن عيادة مريض وتهنئية بمناسبة سعيدة ومواساة ساعة حزن كان لفاطنة ساتى وزوجها اسرة مميزة ، بنتها الكبرى حواء بيضاء البشرة ذات أنف فرعونى جميل وعيون واسعةوهى مرحة محبة للتسامر مع الجميع وحين تجدها وسط اولادها لاتكاد تميزها عنهم في خفة دمها ومرحها وانطلاقها معهم كأنها واحدة منهم وكان زوج حواء العم محجوب دنقلاويا هو الآخر يبدو أكبرمنها كثيرا لكنهما حين يضحكان تشعر انهما رفيقا دراسة، كانت بنتها الثانية خديجة متزوجة ايضا وغير مقيمة معها لكنها مثل حواء لاتغيب هى وصغارها عن بيت الأم العظيمة،ولديها بنت تدعى سعاد كانت موظفة مرموقة تقيم معها حتى تزوجت هى الاخرى، اما الاولاد فكانا قمرين هما بابكر الذي طوي الدراسة بنجاح حتى تخرج صيدليا ناجحا من جامعة الخرطوم وامسى دكتورا ومحاضرا في كليته ذاتها وبات شريكا في مصنع دواء كبير بالخرطوم حتى اختاره الله الي جواره في ريعان شبابه تاركا من خلدوا اسمه واسم ابيه، الاخر (ختم) درس الجامعة هو الاخر بجمهورية مصر وعاد ليستقر بوطنه ويؤسس أسرة، في ذلك الزمان حين فتحنا عيوننا كان البيت الصغير يعج باهله وأهلهم وكان بابكر وختم من اولاد الفريق الذين كانوا يكافحون لاجل اكمال التعليم ولهما صلات واسعة وصداقات، كان البيت الصغير عامرا دوما بالاصدقاء والأهل والاحفاد، كانت سلوي ابنة حواء الكبري زهرة من زهرات الكمبو بمحياها الجميل ووجهها الباسم الطيب وقد جاء من تقدم لها وتزوجت علي عجل كمن يسابق قدرا كامنا متربصا وغابت الزهرة علي عجل وتركت في قلوب الجميع جرحا داميا لكنها تركت لهم منها أثرا طيبا،مرت السنين وغيب الموت بعض أهل البيت الصغير وغيبت الحياة وتقلباتها البعض في بيوت بعيدة وبقيت تلك النخلة باسقة تنظر الي الجميع من عل حتى غابت عن بصرى. لكنها بقيت بشرفة الذاكرة باسقة بهية تحمل في اعلاها ملامح الجد محمد محمود الأصيلة ووجه فاطنة ساتى المميز.
صلاح الدين سر الختم على
السابع من نوفمبر 2013
No comments:
Post a Comment
شكرا علي المشاركة والتواصل